طالع بريده الإلكتروني عبر هاتفه الذكي بعد تلقيه إشعاراً بورود رسالة جديدة، ونظر لمن حوله بدهشة، متسائلاً «كيف عرفوا مسقط رأسي؟ مضيفاً أنها رسالة من أحد المكاتب المتخصصة في أمور الهجرة بأن موطن ولادته أدرج ضمن البلدان المؤهل رعاياها للمشاركة في سحب تأشيرة الإقامة الأميركية، وأتبع الدهشة تساؤله بقسم بأنه لا يعرف المكتب أو طلب خدماته من قبل!!
هناك أيضاً من تتلبسه الدهشة ذاتها وهو يقول لمحدثيه إنه فوجئ بتدفق رسائل أو إعلانات ترويجية لشركات إنتاج وتوزيع الأثاث عبر حساباته في التواصل الاجتماعي بعد حوار مع زوجته حول تغيير أثاث المنزل.
نماذج أصبحت من الأمور الملحوظة منذ فترة، وهي نماذج مصغرة لأثر تداول وحفظ البيانات في أعقاب النقلة الهائلة لتبادلها ونقل المعلومات وحفظها من خلال التواصل الاجتماعي والتي سيكون لها تأثيراتها وانعكاساتها ليس فقط في العلاقات مع الأفراد وإنما الدول والمجتمعات.
يقول البروفيسور يوفال نوح هراري في المقدمة العربية لكتابه «الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل» الصادر عن مركز أبوظبي للغة العربية و«كلمة»: «إننا الآن في خضم سباق عالمي للتسلح في حقول الذكاء الاصطناعي وجمع البيانات والهندسة البيولوجية، دول قليلة تتصدر هذا السباق بينما أغلبية الدول تقبع في مؤخرته، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن نتيجته الحتمية هي شكل جديد من الاستعمار: الاستعمار البياناتي». ويضيف «إمبراطوريات القرن الحادي والعشرين، لن تدخل بجنودها وإنما ستكتفي باستخراج البيانات، ثلة صغيرة من الشركات والحكومات تحصد بيانات العالم وتجمعها، وستحول الباقي إلى مستعمرات بيانية»، متسائلاً «ماذا سيحدث عندما تجد هذه البلدان نفسها معتمدة على بنى تحتية رقمية وأنظمة ذكاء اصطناعي خارجة عن سيطرتها الفعلية؟».
تساؤلات تبدو للبعض كما لو أنها من سيناريوهات أفلام الخيال العلمي، بينما العالم يمضي بخطى متسارعة لذلك المستقبل والواقع الذي تكون فيه الكلمة والتفوق لمن يتحكم في البيانات، ويملك أكبر قدر منها ويسيطر عليها. واقع يبدو أن الكثير من المجتمعات تبدو بعيدة عنه وعن توقعاته وتظهر عدم اكتراث باحتماليته ومآلاته، كونها منشغلة بأمور آنية. خاصة أنها وحتى الآن لا تبدو مهيئة لما يحمله لها المستقبل، وخير دليل على ذلك نظرتها الدونية للمجالات المتعلقة بالبيانات على اختلاف مستوياتها في وقت تكبر وتنمو فيه المؤسسات العملاقة العاملة في المجال، بل و«تتغول».. وغداً لناظره قريب.
المصدر: الاتحاد