حينما كنا صغاراً كان الأكبر منا سناً يحدثنا عن تعب الحياة يوم كان في عمرنا. ظننا أننا أكثر حظاً ممن قبلنا. وحينما كنا نذهب للمدرسة في صندوق سيارة نقل قديمة كان الجيل الذي يكبرنا قليلاً يخبرنا كم كنا محظوظين لأننا لم نذهب للمدرسة على ظهر حمار أو مشياً على الأقدام. وتمر السنون وإذا بجيلي يخاطب من بعده بذات المنطق ونفس اللغة: يا لكم من جيل محظوظ: تذهبون للمدرسة بسيارات مكيفة! قبل أيام سمعت من يصغرني يتحدث عن معاناته أيام الدراسة: كيف استطعنا النجاح من دون إنترنت؟ وكيف كنا نذاكر من غير قوقل؟ ولن أستغرب لو جاء زمان يقول فيه بعضنا: محظوظ شباب اليوم: يطيرون بمركبات طائرة للمدرسة! الحقيقة أن الحياة تتجدد كل يوم بمعطيات التقنية ومنتجاتها. وما كنا نظنه ترفاً بالأمس صار اليوم ضرورة حياة. كل شيء حولك الآن يعطيك فرصة ذهبية لإثبات قدرتك على التجدد والتفاعل مع الجديد من المنتجات والأفكار. حتى في هذه اللحظة التي أكتب فيها ما تقرأه الآن، يمكنني أن أسأل نفسي: يا إلهي: كيف كنت أستطيع الكتابة من دون كومبيوتر؟ وما زالت الإبداعات المتواصلة في العلوم وتكنولوجيا الاتصال تبشر بمزيد من الابتكارات الهائلة مما سينعكس حتماً على نمط حياتنا وطرق تفكيرنا ومستقبلنا. باب الإبداع متى ما فتح لا يمكن إغلاقه. أبواب الابتكار تفتح أبواباً أخرى لأفكار جديدة ومنتجات أفضل. المحزن أننا لا نزال في دائرة المستهلك: غيرنا يصنع ويبني اقتصاداً قوياً ونحن، في الضفة الأخرى، نشتري ونردد: آه… كيف كنا؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٨٩) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٢-٠٣-٢٠١٢)