مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
بعد أكثر من نصف ساعة من الحديث حول الإرهاب وأسبابه وطرق التصدي له، وقفت سيدة من بين الحضور لتسأل: لماذا وصل الأمر بالشباب العربي في بعض الدول إلى أن يفجروا أنفسهم بالأحزمة الناسفة؟ لماذا لم نسمع عن ذلك في الخمسينيات مثلًا؟ ولم تنسَ أن تسأل: هل نحارب الإرهاب أم نبحث في أسباب تورط شبابنا في هذا الطريق المدمر؟
أسئلتها هي أسئلتنا جميعاً، إن أي امرأة عربية بسيطة تجتاز الطريق في إحدى مدن العراق أو سوريا محملة بالأحزان والهموم ومسكونة بضياع الأمان والأحلام، أي امرأة يمكنها أن تطرح هذه الأسئلة الوجودية والمعبرة عن القلق والخوف في الوقت نفسه!
أجبتها مباشرة: إنها جريمة الأنظمة التي حكمت تلك الدول والإنسان بالحديد والنار والسجون والمعتقلات وتكميم الأفواه وسرقة الثروات ومصادرة الحريات والحقوق والكرامة، وبدل أن تستخدم الثروة في بناء الإنسان والمكان استخدمتها ضده، حتى جاء اليوم الذي انفجرت فيه الشوارع العربية مطالبة بأبسط حقوقها قبل أن يتم حرف المسار كله وتغيير اتجاه المطالبات لتتحول إلى صراخ وتدمير وحرق وقتل!
قلت لها إنه علينا أن نتصدى بجهود مكثفة وعالمية للإرهاب وفي الوقت نفسه نفكك ذهنية الإرهابي وكيف تكونت، وماذا أثر فيها، وكيف يمكن تغيير قناعته وتحويله من ذلك المسار المدمر لمسار آخر بعيد تماماً عما كان عليه، الإرهاب فكر في نهاية الأمر، مهما كانت درجة خطورته وعدم اتفاقنا معه، والفكر يواجه بفكر مضاد يهزمه، لذا علينا أن نعرف كيف يفكر الإرهابي، وكيف يتخذ قراراته العمياء بتفجير نفسه وقتل الآخرين في لحظة غياب كامل للعقل، كي نقطع الطريق ونعيد هؤلاء إلى الصواب!
لماذا تسأل النساء عادة أسئلة قلقة ومتوترة وعاطفية جداً عندما يتعلق الأمر بالإرهاب؟ أظن أن هذا يبدو طبيعياً جداً بعد أن انتهى العراق وسوريا وليبيا واليمن إلى هذا الوضع السياسي الطائفي الممزق والمهترئ، هل من امرأة تأمن على نفسها السير في الطريق العام دون أن تتوقع انفجاراً في السوق بينما تشتري ما تحتاجه لإعداد وجبة غداء بسيطة؟
هل من امرأة تأمن هجوماً مسلحاً لرتل من سيارات الدفع الرباعي ترفع جميعها علم داعش؟ هل من امرأة تأمن على عائلتها من الموت بقذيفة مباغتة أو تحت الأنقاض في سوريا؟ هل من مأمن في مواجهة جموع المتوحشين الذين حرثوا ويحرثون الأرض بالخراب والدم والموت؟ كيف تثق امرأة بأن تصبح في اليوم التالي ولا تفاجأ بابنها أو زوجها وقد التحق بداعش أو بأحد التنظيمات الإرهابية النشطة على شبكة الإنترنت؟
أنا أعذر كل امرأة تطرح أسئلة الخوف طالما لا يوجد بعد مشروع عربي حقيقي فعال وملموس لمواجهة الفكر الإرهابي، العالم العربي مهدد بالإرهاب، بينما هو مشغول بتكوين كتائب المطربين!
المصدر: البيان