ومثلما عشنا تجربة ميدان التحرير، كما لو كنا بين أبطاله، عشنا لحظات الترقب الطويلة لتلك الساعات التي تصطف فيها طوابير أهلنا في مصر لاختيار رئيسهم الجديد. مصر تختار رئيسها. الشعب اختار الرئيس. وما حماسنا لخروج مصر من عنق أزماتها إلا محبة لمصر وأهل مصر وثقة في دور مصر التنويري وإيماناً بأنها ستكون بوابة نهضتنا القادمة.
قوة مصر قوة لنا. وما ضعفت مصر وتهاوى دورها إلا وضعف الدور العربي وتكاثرت مشكلاته. الإنسان ابن بيئته. والبيئة التي تشجع على الإبداع تخلق مجتمعات تواقة للمنافسة في الإبداع والإنتاج. هذا ما نأمله في الدور المصري القادم؛ أن تخلق مناخاً جديداً لأفكار تحث على الإبداع، وتنتشلنا -كأمة- من سقطتنا الحضارية المخيفة، أن تقفز بالإنسان في منطقتنا من صراعات الأيديولوجيا وألاعيب السياسة إلى ثقافة العمل والإبداع والمنافسة. والجيل الذي وقف بصدور عارية أمام دبابات الظلم والاستبداد واقف الآن بالمرصاد في وجه أية محاولة لإعادة مصر إلى الحفرة التي أرادت قوى الاستبداد حبسها فيها.
لا خوف على مصر وعلى ثورة مصر طالما أن شباب مصر قد ذاق طعم الحرية وجرب كيف ينتصر لنفسه وأمته. ولهذا نحتفل بمصر الجديدة ليس فقط لأن في خيرها خير لنا ولكن لأنها أيضاً حينما ترتدي رداء العصر الجديد وتفتح أبوابه إنما تفتح أمامنا كلنا أبواباً جديدة للعمل والإنجاز. ومهما يكن من ألاعيب سياسية وصراعات أيديولوجية فإن من الخير لنا، في الخليج خصوصاً، أن نرى مصر الجديدة في عز قوتها. فلولا ضعف مصر وغيابها الطويل عن المشهد لما تمادت إيران في إثارة الفتن بين العرب بذرائع المقاومة الكاذبة. ولو لم يُهمش دور مصر الإقليمي لما تمادت إسرائيل في احتقار الفلسطينيين وهي تشغلهم بوعود السلام الخاوية.
فيا مصر العائدة بعد طول غياب: حمدا لله على السلامة!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٧٤) صفحة (٣٦) بتاريخ (٢٦-٠٥-٢٠١٢)