كاتبة سعودية مقيمة في دبي
كنت استيقظت هذا الصباح وأنا عازمة على تجنب الحديث عن بكتيريا التشدد والتزمّت التي تنشرها بعض الأخبار، ولو من باب الاستراحة والكتابة عن موضوع خفيف ظريف، لكنني للأسف وجدت نفسي امتلأت أسى وأنا أطالع خبرين، أحلاهما مر.
فالأول يقول إن إمام وخطيب مسجد خالد بن سعود في الرياض، وهو أيضاً عضو في لجنة المناصحة التابعة لوزارة الداخلية – كما ذكرت الصحيفة – يحذّر في خطبته من السفر إلى بلاد الكفار، لأنه حرام، وأن من يموت فيها سيدخل النار. فالإسلام يدعو إلى الهجرة منها، فكيف نسافر إليها؟
يُذكر أن أعداد المسافرين من السعوديين السياح يبلغ ملايين كل عام، منهم من يقضي إجازته في لندن وفي إسبانيا وأستراليا وكوريا، مثلما يسافر المسؤولون والمشايخ إليها سائحين وفي مهمات عمل، وصورهم تملأ الصحف، ولا تنفك إعلانات المكاتب السياحية تعرض رحلات مخفضة لبقاع الدنيا تملأ الصحف، فما الداعي إلى هذا الكلام الذي تزايد منذ عامين تقريباً؟
إنه بكل اختصار هجوم ممنهج على برنامج الملك عبدالله للابتعاث، الذي ينتسب إليه 150 ألف مبتعث ومبتعثة، بعضهم ذهب مع عائلاته، وتزامنه برامج ابتعاث أخرى لقطاعات مثل النفط والهندسة، هذا غير المبتعثين على حسابهم الخاص، يدرسون الطب والهندسة والملاحة والطب التطبيقي وإدارة الأعمال والمحاسبة والقانون في جامعات متطورة، تقدم المنهج العلمي في أحدث تطبيقاته، ليس هذا فحسب، بل يتعاملون مع مؤسسات تخلصت من البيروقراطية وتحترم القانون، ويسوقون سياراتهم أو يركبون المواصلات العامة في عيش وتجربة لصيقة بتجارب أمم متقدمة، فما بال هذا البرنامج المتطور الذي دعا إليه إسلامنا الرحب، بحثّه على طلب العلم ولو في الصين، صار يقض مضاجعهم ويلهب حناجرهم غضباً؟
الإجابة ستجدونها في خبر تفجره مقالة للدكتور سعد الموسى، وعرفت أنه ناصح أمين لوزير التربية والتعليم خالد الفيصل، فعساه أن يكون شريكاً معنا في هذه المقالة، ليقف على ما حواه.
عنوان المقالة المنشورة في صحيفة «الوطن»: «وثيقة سياسة التعليم: جاهلية القرن العشرين».
يذكر فيه أنه راجع وثيقة التعليم في بلادنا، فوجد «أن هذه الوثيقة تتماثل، لغة ووصفاً وهدفاً، مع لغة ومتن الكتاب الشهير «جاهلية القرن العشرين» لمحمد قطب». ثم يقول: «ثم اكتشفت حين فرغت بعد أربع ساعات من قراءة هذا الكتاب مكتملاً أننا سحبنا الكتاب من الأرفف، ولكننا نطبق توصياته بحذافيرها المكتملة أيضاً، وتوصياته وكل أسطر ورقه في حياة كل طفل سعودي يذهب كل صباح لتطبيق «وثيقة سياسة التعليم في وطنه».
ثم ينتهي بالقول إن: «هذه الوثيقة الفضيحة تتحدث عن تدريب طلابنا بصراحة مطلقة على «فك الجهاد»، التي وردت أربع مرات في تأطير الأربع مراحل من التعليم: من الابتدائية حتى الجامعة. بكل اختصار وعلى مسؤوليتي واستعدادي للمكاشفة والمواجهة: الذي كتب وثيقة سياسة التعليم في وطني أفراد لا علاقة لهم أبداً بهذا الوطن، ولا يعرفون علمه، ولا يعترفون بوجوده كوطن مستقل على رأس ريادة عوالمه المختلفة من حوله: نحن في هذه الوثيقة بالضبط صورة لجاهلية القرن العشرين بكل الأهداف والتوصيات».
هل عرفتم الآن لماذا يقض برنامج الابتعاث مضاجع بعض المشايخ والمحتسبين، لأن خططهم جاء ما يفسدها ويخربها، فهذه الأجيال التي تم تجنيدها بحسب وثيقة التعليم طوال أجيال فرّت من قبضتهم وتحررت منها.
كان بالإمكان أن أتجنب الحديث عن هؤلاء لو كانت هذه الأفكار معتقدات شخصية لأصحابها، يتعاطونها في بيوتهم وبين أصدقائهم، لكنها استوطنت مثل بكتيريا، تتنامى من خلال وثيقة التعليم والحرب على برنامجنا الوطني التعليمي في مساجدنا، وليس في قناة تبث أفكارها من خلف البحار.
المصدر: الحياة