كان العيد يأتي بما لا يأتي في سواه. ننتظره لكي نلبس فيه ثوبنا الجديد. ونتذوق فيه ما لا نحظى به إلا نادراً. عيدنا الكبير في الغالب كان عيدين. فما أن يعود الحاج إلى قريتنا حتى يبدأ الاحتفاء به. كنا نعد الأيام عداً في انتظار قدوم العيد. كبرنا وتزاحمت الأحداث حولنا. فقد العيد ذلك الوهج الذي عشناه أيام العيد.
اليوم يأتي العيد ويذهب مثل أحداث كثيرة تمر بنا مرور الكرام. كانت الناس تقطع أسفارها عائدة لأوطانها من أجل العيد. صرنا الآن نهرب في العيد إذ نجد فيه فرصة للسفر والترحال والهروب. يمر يوم العيد كما تمر أغلب أيامنا. لا شيء يميّزه عن بقية أيام السنة سوى صلاة العيد وبعض الزيارات العاجلة ثم نكمل يومنا مثل ما نفعل كل يوم. أبحث عن فرحة العيد فلا أجدها. وأسأل: هل تغيّر العيد أم تغيّرنا؟ أم أنها الطفولة التي تجد في العيد مناسبة جديدة للفرح والاحتفال؟ ربما. لكن المؤكد أن عيدنا أيام الطفولة كان
يأتينا بما لا نعرفه إلا نادراً. فالثوب الجديد كان عملة صعبة. والزائر، من القرى والمدن البعيدة، كنا لا نسمع منه إلا في العيد. وذبيحة العيد ربما كانت علامة فارقة في نظامنا الغذائي على مر السنة. أما وقد يسّر الله لنا لبس كل جديد، بمناسبة أو بدونها، وقد قرب البعيد بأدوات التواصل السريع، وصرنا نتجنب “الدسم” خوفاً من هذا اللعين “الكولستلور”، فأي جديد يأتي به عيدنا اليوم؟ في طفولتنا ما كانت تصلنا أخبار الموت والدمار كما نشاهدها – لحظة بلحظة – في عيدنا اليوم. فكيف نفرح بالعيد ونحن “حذفة عصا” مما يحدث في عالمنا من موت ودمار وفوضى؟
لا عيد في العيد!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٢٨) صفحة (٢٤) بتاريخ (٢٧-١٠-٢٠١٢)