كاتب سعودي
وفجأة.. جاءت لحظة الحقيقة.. توقفت حنفية النفط التي كانت لسنين تمطر عقودا ورواتب وسيارات وتذاكر سفر وعمالا آسيويين عن العمل بصورتها العشوائية المعتادة ودخلت الحنفية العريقة الوقورة في مرحلة جديدة تعتمد فيها على مبدأ (التنقيط).. ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم الانتقال فيها من حالة الفائض الضخم إلى حالة العجز الصريح دون مقدمات.. ولكن هذه المرة كان أثر تراجع عائدات البترول أسرع وأشد وقعا، فقد بدأت الإجراءات التقشفية برفع الدعم عن بعض الخدمات والسلع، مرورا بزيادة بعض الرسوم، وصولا إلى إلغاء البدلات عن الموظفين الحكوميين وبالتالي تخفيض الرواتب من أصغر موظف إلى الوزير.
وقد أرادت الحكومة أن تقول من خلال قرارها بتخفيض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى إنها ماضية في مسيرة التقشف وضبط الإنفاق، وستبدأ بنفسها وبوزرائها وبأعضاء مجلس الشورى، وهذه رسالة حسنة متى ما تم إعادة التفكير في كيفية عمل الحنفية، ثمة مصاريف كثيرة تنهمر من حنفية النفط عبر السنين وبالتأكيد سوف يؤدي تصحيحها إلى التخفيف من حدة الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد في ظل انخفاض النفط.. ومثلما كان المواطن في مرحلة – عز الحنفية – يبذر في استهلاك المياه والكهرباء والبنزين كانت الحكومة تبذر في الهبات والعطايا والدعم غير المحدود لهذا وذاك والمساعدات الخارجية للدول الشقيقة والصديقة وأحيانا لدول لم نسمع أسماءها من قبل.. كل هذا المنهج يحتاج إلى إعادة تأسيس وليس فقط ضبط وتخفيض.. وهكذا تتعدى رسالة تخفيض رواتب الوزراء وأعضاء مجلس الشورى إطار الرمزية إلى التطبيق العملي والمفيد.
لا نحتاج أن نقول أكثر من الحقيقة: «لم تعد الحنفية مفتوحة».. هذه هي الحقيقة التي لا تكلفنا شيئا، كل منصف يعرف أن المملكة لم تقصر يوما في مساعدة البعيد والقريب دولا كانوا أم مؤسسات أم أفرادا.. والمملكة كما هو معلوم في طليعة الدول المانحة للمساعدات في العالم.. ولكن هذا الظرف الاقتصادي ليس ظرف مساعدات خارجية بل ظرف ترميم للاقتصاد من الداخل حتى يمكن التوفيق فعلا بين الصعوبات الاقتصادية المفاجئة وخطط النهضة الاقتصادية المرتقبة، حيث يصعب تحقيق القفزة التنموية والاقتصادية المنتظرة ما لم يتعاف الاقتصاد المحلي مما يمر به من صعوبات اليوم.
والإصلاح الاقتصادي مهما كان مريرا أضحى ضروريا بحكم الأمر الواقع ولكنه لا يتوقف فقط عند خطط التقشف وتخفيض المصاريف وزيادة إيرادات الخدمات بل في إعادة النظر في فلسفة الإنفاق والتي قامت أساسا على إيقاف حنفية النفط المفتوحة إلى ما لانهاية، وبالتأكيد لا بد من قطع خطوات كبيرة على طريق مكافحة الفساد ووقف هدر الأموال العامة والعمل على استغلال ثروات البلاد بالشكل الأمثل.. وكل أزمة اقتصادية وأنتم بخير.
المصدر: عكاظ