مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
في ظني أننا كأشخاص نمارس الكتابة باعتبارها مهنة معقدة ليست عابرة ولا بسيطة، بل مهنة صعبة أولاً، ومؤثرة بشكل واسع، نحتاج لأن نتعامل معها بما تستحق إن لم نعرف كيف نتعامل مع أنفسنا بما نستحق من حيث علاقتنا بالكتابة وعلاقتنا بذواتنا ككتاب، وعلاقتنا بالقراء الذين نكتب لهم وعلينا احترام عقولهم وتوجهاتهم، هذا الوعي بخطورة الكتابة يتطلب الكثير من الحرص على تطوير معارفنا وثقافتنا، وعلى الالتزام بمصداقيتنا حين نكتب رأياً أو معلومة، وعلى تطوير أدواتنا وتقويتها!
هذا بالضبط ما يفعله كل صاحب مهنة يحب مهنته ويمارسها بشغف وينتمي إليها، وهذا يتطلب منه أن يظل على علاقة بالتطورات التي تطرأ عليها وبالجديد الذي يدخل فيها، ما يعني أن صاحب المهنة والحرفة والصنعة يصبح جزءاً من مهنته أو حرفته كما تصبح هي جزءاً منه، كالطبيب والمهندس وصانع الأحذية والنجار ومصمم الملابس والمعماري والتشكيلي والروائي والصحفي وووو.
فهؤلاء وجموع غيرهم من المهنيين يمارسون أعمالاً تشبه الكائن الحي تماماً، تتطور وتنمو وتتغير وتحتكم إلى قيم ومعايير وأخلاقيات، ولا تقف عند حد أو مكان متجمدة بلا قيمة وبلا تأثير، هذا كله يعتمد على أصحاب المهنة وكيف يقدّرون مهنتهم وكيف يتعاملون معها.
بعض الكتاب يكتبون ويبقون على حالهم لا يتغيرون، ولا يبحثون عن التغيير، ومن الأساس لا يبحثون عن إجابة سؤال الكتابة الأول والأساس، حيث تعتبر الكتابة سعياً متواصلاً للإجابة عن هذا السؤال: لماذا أكتب؟ وماذا أريد؟
إن الكتابة ليست وظيفة عامة، يمكن أن تتخرج في الجامعة لتتقدم بشهادتك من أجل الحصول عليها، الكتابة هي هاجس الكاتب المنتمي لقضاياه ولأسئلته أكثر من انتمائه لأي شيء آخر، ولأجل الإجابة عن هذه الأسئلة فإنه يظل دائم القراءة والبحث والاطلاع والسفر وطرح الأسئلة على كل الظواهر والتفاصيل اللافتة التي تعبر أمامه، لأن كل تفصيل من هذه التفاصيل يمكن أن يكون مشروع مقال أو قصة أو رواية.
لا يجوز للكاتب أن يخاف من التطرق لبعض المواضيع، ولا يحق له أن يجامل الواقع أو يتعالى عليه، وليس مقبولاً منه أن يحمل العصا من المنتصف ويمشي في الحياة بلا رأي إرضاء للناس، لأن المحيطين به يريدونه أن يكون مهذباً ولطيفاً، وسيقبلونه حين يكون كذلك، مهادناً، رمادياً وبلا ملامح، الحقيقة هي أن صناعة القلق واحدة من مهام الكاتب، فهو دائم القلق وعلى كتابته أن تكون مقلقة وباعثة على التفكير ومثيرة للأسئلة، وإلا فإنه لن يكون كاتب رأي بل كاتب مراسلات عمومياً!
المصدر: البيان