كاتبة سعودية
التوطين، مصطلح وإجراء عالمي، تطبقه كثير من الدول حول العالم، وتسعى أخرى إلى تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط والخليج. فكل دولة تطمح للوصول إلى مرحلة الاكتفاء بمواردها البشرية، في تقديم أغلب الخدمات والأعمال المشغلة للاقتصاد محلياً، ومنذ الأزمة الاقتصادية، والعالم يستهدف تقليل التكلفة والسعي وراء تطوير وتنمية الأيدي العاملة المحلية.
وما حدث في دول الخليج، من تكدس للعمالة الوافدة، دول أوروبا وأميركا ليست ببعيدة عنه، ففي أغلب تلك الدول تجد أن «بعض» الوظائف والخدمات المحدودة جداً، يشغلها الوافدون والمهاجرون، ففي أميركا مثلاً تتوزع العمالة اللاتينية والإفريقية ومن دول المغرب العربي، على وظائف تتنوع بين سائقي أجرة، وعمال بلدية، وصيانة الطرق والمنازل، وخدمات الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية، وحتى عربات الطعام المتنقلة. وتُقدر نفس تلك الدول أي جنسية أخرى حسب إنجازها العلمي، فكثيرا ما تمنح الولايات المتحدة الجنسية الأميركية، للعلماء والباحثين، وتحاول إبقاءهم على أراضيها للاستفادة من علمهم، من بينهم عرب وسعوديون وخليجيون تمت الإشارة إليهم في أخبار سابقة.
ولأن حجم الولايات المتحدة ونظام (الحلم الأميركي) يسمح بذلك، فهذا لا يعني أن تنجح هذه التجربة في الدول العربية والخليجية، لاختلاف الجغرافيا والمساحة. مع أن الذين تركوا بلدانهم وهاجروا، كانوا يستطيعون تعميرها وتحويلها إلى أميركا وأوروبا أخرى. ومهما تغرّب الإنسان وابتعد، لا جنة له على الأرض سوى وطنه. فلا يبني الأمم إلا أيدي أبنائها، ومهما اعتقد المغترب أنه ساهم أو شارك في بناء أرض غير أرضه، لن ينسب هذا الجهد والعناء له مع مرور الوقت، بل لأصحاب الأرض. لذا لا أرى أي سبب لخلق مزيد من المبررات العاطفية، لإبقاء تلك الأعداد المهولة من أبناء الدول الأخرى في منطقة الخليج بالذات. فزمن الطفرة انتهى وأصبح ماضيا. والبلد التي كان عدد سكانها بالأمس 6 ملايين نسمة، أصبحت اليوم 32 نسمة.
فقد كشفت البيانات الأولية للهيئة العامة للإحصاء الشهر الماضي، عن ارتفاع عدد سكان المملكة إلى 32.6 مليون نسمة، بزيادة بلغت 870 ألف نسمة، مقارنة بنهاية 2016، وبلغ عدد السعوديين 20.4 مليون نسمة، وغير السعوديين 12.2 مليونا. وبلغ عدد القوى العاملة من الجنسين في المملكة 13.5 مليون عامل، شكل السعوديون منهم 5.8 ملايين، مقابل 7.7 من الوافدين والأجانب، وذلك حسب ما جاء في آخر تقرير لهيئة الإحصاء. وبلغ عدد العاطلين 786.511 والباحثين عن عمل 1.321 مليون، ما جعل نسبة البطالة تصل إلى 12.8 %. وهذا يعني أن هناك أكثر من 3 ملايين سعودي دون وظائف. وبعد سنوات من متابعة أداء وزارة العمل، وجدنا أن دمج الشؤون الاجتماعية لم يخدم الوزارة أبداً، بل أثقل كاهلها وبات تأثيره واضحا على بطء وصعوبة أدائها.
ووجود ما يقارب 8 ملايين عامل أجنبي، مقابل 5.8 ملايين سعودي، خلل واضح، خلق الكثير من التحديات، وأحبط أكثر الادعاءات، بعد أن تولى عدد من السعوديين بعض أعمال السوق، التي كان يحتكرها الوافد. وخلق التوطين نوعا من المنافسة غير العادلة، التي تحولت إلى غضب كثير من الخريجين والخريجات بالذات، الذين لم يجدوا إلى الآن طريقة تُسرع من توظيفهم حسب تخصصاتهم، خاصة وبعض المسؤولين ما زال يحاول دفعهم للالتحاق بالسوق والتجارة، والتخلي عن حلمهم بالعمل في مجال تخصصاتهم، وكأنهم يملكون المال لفتح مشاريع.
ومنافسة ما يقارب الـ8 ملايين وافد، بالاحتفاظ بالوظائف التي يشغلونها حالياً، منافسة غير عادلة أمام ثلاثة ملايين عامل سعودي يبحث عن عمل. وبما أن هيئة الإحصاء تتوقع زيادة عدد الوافدين هذه السنة 2018، لا يوجد إلا حل واحد استراتيجي للبطالة، لإيقاف هذا التمدد الأجنبي في القطاع الخاص، وأعني به الشركات والمؤسسات المختلفة، سوى تفعيل قرار قصر جميع مهن ووظائف وحدات التوظيف والموارد البشرية، والمسؤولين عن التوظيف فيها على السعوديين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا القرار كان قد ظهر عام 2016 في إنفوجرافيك جميل، على بوابة معا للقرار، على موقع الوزارة، يحث المهتمين وأصحاب الأعمال والمنشآت في القطاع الخاص، إلى مشاركتها في تحسين القرار، وإبداء الملاحظات والآراء قبل إقراره. فقفزت الحيتان الضخمة، من أعماق البحر إلى بعدٍ لم نتوقعه في الهواء، قبل أن ترتطم بقوة في البحر، وتغوص في أعماقه ثانية، متربصة تأثير فعل موجات الارتطام العنيف، على قرار وزارة العمل، والذي بدوره طوى صفحة القرار سريعاً، لدرجة أننا لم نحتج فيها إلى أن نتساءل من الذي عطل تنفيذ هذا القرار.
من أجل هذا ينبغي أن تُفعل العمل هذا القرار، وتطور نظاما آليا يعتمد على التعيين بالهوية الوطنية، يرصد ويتابع مناصب التوظيف والموارد البشرية في الشركات والمؤسسات، شريطة أن يُربط بنظام آلي آخر يتطلب موافقة وتوثيق من الداخلية. وإلا سنعود نناشد ونتقاتل على الوظائف، بعد دخول الشركات الأجنبية الاستثمارية للمملكة.
المصدر: الوطن