مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
انظر كيف تفعل بنا الأخبار المتعلقة بصحتنا؟ كيف تجعلنا نلهث بحثاً عن الصحة والعافية والرشاقة؟ وفي المقابل تأمل كيف تزداد أمراض السمنة عالمياً وبشكل كارثي؟ انظر كيف تتلاعب بنا شركات تصنيع الأدوية والأطعمة ومواد التجميل والأصباغ والأطعمة العضوية والمضادات: مضادات الاكتئاب، المضادات الحيوية؟ فما يكاد الواحد منا يصدق الكلام عن أهمية المواد العضوية ومخاطر الأغذية المعلبة، والتي تدخل فيها المواد الكيميائية حتى يفاجأ بما ينقض النظرية من أساسها، ومن دون مقدمات يفتح صحيفته صباحاً ليقرأ خبراً خلاصته أن الأشخاص المؤمنين بالأغذية العضوية أجسادهم مهددة بالتلف لنقص المواد الحيوية في طعامهم. أما أولئك الذين صدقوا سلامة وإنسانية الطعام النباتي وخلوه من الدهون الخطرة التي تهدد القلب والشرايين، فإنهم بلا شك فتحوا أعينهم دهشة وهم يقرؤون هذا الخبر «أيها النباتيون نظامكم الغذائي يسبب السرطان»!
في خبر نشر منذ مدة يقول «لا يعتبر الشيب أو اللون الأبيض الذي يغزو شعرنا علامة سيئة، بل هو دليل على مرونة خلايا معينة في المخ تنتج هرمونات معينة تنعكس بشكل إيجابي على الذاكرة وغير ذلك»، بعد فترة من قراءة هذه المعلومة قرأت «أن الأطباء توصلوا لمعرفة الجين المسبب لشيب الشعر»! ربما للتدخل فيه جينياً ومنعه أو تأخيره سعياً وراء الشباب والجمال؟ فأين ذهبت الصحة والمرونة؟ ألا يبدو الأمر متضارباً، هل هي قصة سوق وترويج منتجات، أم هي حقائق علمية لا يتم التعاطي معها إعلامياً بشكل دقيق؟
منذ سنوات طويلة عندما كنا صغاراً – كما في كل الدنيا – كانت جداتنا وأمهاتنا يستخدمن الحليب الطبيعي والسمن الطبيعي في الطهي، ويستخدمن الزبدة الطبيعية غير المعالجة في المصانع للأكل ولعمل السمن ــ عن نفسي أتذكر بقرات جدتي، ودجاجاتها ــ فكنا نشرب ونأكل مما تجود به حيوانات المنزل، وفجأة تغيرت محتويات المطبخ، كل شيء أصبح معلباً، ومصنعاً ومعالجاً في المصانع ويأتينا من الخارج، اختفت بقرات جدتي وعنزات أمي والدجاجات والبيض اللذيذ المقلي بالزبدة التي تنتجها تلك البقرات التي ظللت دائماً أخاف منها!
اقتنع العالم بسبب الدعاية المهولة والكلام الذي لم يتوقف ليل نهار، بأن الزبد والسمن والحليب الطبيعي ضار صحياً، وسبب رئيس للكوليسترول، وأن الزيت هو الأفضل، وانتشرت أسماء زيوت ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبحت شركات الزيوت أكثر من شركات المياه المعدنية، وأصبحت رائحة القلي سيئة، وحتى رائحة المطبخ بعد القلي لا تطاق، ثم فجأة انتشر تقرير يقر بخطأ كل ما قيل عن المنتجات الطبيعية للألبان، وخطورة الزيوت المصنعة وأهمية السمن البلدي.. الآن لم يعد ذلك يفيد، لأن الإنسان بحد ذاته صار مصنعاً!
المصدر: صحيفة البيان