كاتب و صحفي
يشبه التفاجؤ العربي، والخليجي خصوصاً، بسلوك «حزب الله» في سورية وتفانيه في القتال دفاعاً عن نظام بشار الأسد، التفاجؤ الدولي بسلوك إيران في الملف النووي بعدما «اكتشفت» الوكالة الدولية للطاقة الذرية الآن فقط أن الحوار مع طهران «يدور في حلقة مفرغة».
كأن العرب يقولون إن ما قام به الحزب قبل الحرب السورية كان مقبولاً، وإن التغيير الذي طرأ على مواقفه لم يكن متأصلاً في تكوينه، مثلما يرفض العالم الاعتراف بأن إيران تناور منذ صدور التقرير الأول للوكالة الذرية في 2003 عن إخفائها معلومات عن نشاطها النووي، ولم تفعل سوى زيادة قدرتها على التخصيب، بينما هو يتلهى بالوعود والآمال الخاوية.
لو استمع العرب إلى ما تعب اللبنانيون من ترديده عن تجربتهم مع الحزب منذ تأسيسه قبل ثلاثة عقود، وشكواهم من ممارساته طوالها، لاستنتجوا أن مواقفه الحالية هي وحدها النتيجة الطبيعية لنشأته وتركيبته وارتهاناته.
فالحزب بدأ جهازاً أمنياً إيرانياً – سورياً منذ لحظته الأولى ولا يزال، مع أن البعض يعتبر أن التجسيد الأوضح لتحالفه العضوي مع النظام السوري، ظهر مع اغتيال الحريري في 2005 عندما ثارت تساؤلات عن سبب «عجز» أمن الحزب المنتشر بفاعلية في العاصمة وسائر المناطق اللبنانية عن اكتشاف وجود شاحنة مملوءة بطنين من المتفجرات تتنقل في شوارع بيروت بانتظار مرور هدفها، قبل أن يتضح من تحقيقات المحكمة الدولية أنه شارك في الاغتيال تخطيطاً وتنفيذاً. ثم تجلى هذا التحالف في التظاهرة الضخمة التي نظمها الحزب وقدم فيها «الشكر» إلى النظام السوري مؤمناً التغطية السياسية والأمنية لحملة الاغتيالات التي استهدفت السياسيين والإعلاميين الاستقلاليين، والتي لا بد أنه ساهم فيها، قبل أن يتكرس في حرب تموز (يوليو) 2006 التي أطلق شرارتها أملاً في تغيير المعطيات المحلية والإقليمية وتثبيت الدور الإيراني في المنطقة.
وهل غريب على من بدأ مسيرته بتصفيات داخل طائفته شملت ليبيراليين وعلمانيين وحتى متدينين يعارضون تحويلها إلى حزب مذهبي، أن يستنفر عصبيتها لتبرير قتال غالبية السوريين على أرضهم دفاعاً عن حكم مذهبي آخر؟
هل كان العرب يصدقون فعلاً دعوة الحزب إلى الحوار بين المذاهب؟ وهل كانوا يعتقدون أن هناك أملاً في أن يتحول يوماً إلى حزب لبناني ويسلم سلاحه إلى الدولة التي يهدم أسسها كل لحظة؟
لقد أثبت «حزب الله» بدخوله الحرب السورية على أكثر من جبهة، أنه لم يكن يوماً يخطئ في الحساب أو يقع في سوء التقدير، كما اعتقد بعض العرب الذين تبنوا بحسن نية وهْم إمكان تغيير قناعاته ومساره، بل كان ما فعله ويفعله نتيجة حسابات مدروسة وخطة مرسومة بدقة في طهران ودمشق لتمكينه من قضم سلطة الدولة اللبنانية تدريجاً والإمساك بمؤسساتها كما فعل آل الأسد في سورية. ولهذا لا يخلو خطاب لأمينه العام من هجوم على الدولة و «عجزها» و «تقصيرها».
سيظل «حزب الله» جزءاً من المنظومة الأمنية السورية الإيرانية المشتركة، ينفذ ما تتطلبه خدمة مصالحها الفردية والثنائية، طالما بقي خارجاً على الدولة اللبنانية وممتلكاً ترسانة تفوق تسليح جيشها وقادراً على ابتزاز السياسة بالأمن في أي وقت. وسينتقل بعد معركة القصير، بلا أي وجل، إلى الجبهات الأخرى في حلب ودمشق وسواهما، دفاعاً عن التحالف بين «حكمه» في لبنان والحكمين في سورية وإيران. أما الاستغراب العربي لسلوكه فيعني أن العرب لم يقرروا بعد خوض معركة الدفاع عن الشعب السوري.
المصدر: صحيفة الحياة