يدون ويغرد في مجالات الآداب والسياسة والاجتماع. صدر له رواية بعنوان ( سور جدة ) وكتاب ساخر ( كنتُ مثقفاً ).
حسناً .. بعد عدة أحداث وقعت في السعودية كان آخرها التحرش بطفلة الدمام علت أصوات الشعوب المتوهجة بروح الإباء والكرامة والغضب والـ .. آسف لهذا الحماس، المهم أن هناك فئة تطالب بتشريع قانون لردع التحرش، في دراسة نشرها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مؤخراً عن آراء 1000 مواطن ومواطنة كعينة عشوائية من مختلف أنحاء السعودية عن التحرش، وُجد أن 76% يرون أن غياب قانون رادع للتحرش يؤدي إلى انتشاره، التحرش كظاهرة تقع في كل مكان وبالتالي فالقانون المقترح يقتضي تعاون وزارات العمل والتربية والتعليم والتعليم العالي والصحة وهيئة الأمر بالمعروف ووزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الثقافة والإعلام وأمارات المناطق ومجلس الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء، ببساطة أن نقتله جميعاً يا عكرمة فيضيع دمه بين القبائل، ليس هناك جهة حكومية واضحة لتشريع قانون التحرش ثم تطبيقه.
الوزارات في السعودية عبارة عن أرخبيل جزر معزولة، كل وزارة تسبح وحدها في ملكوت الله، تخيلوا معي هذا المشهد، نحن الآن في صيف عام 2003 في أحد المباني الحكومية في الرياض، هناك رجل من الجنسية السودانية اسمه عبدالمقصود يجلس أمام 12 شاشة كومبيوتر يعود إنتاجها إلى عقد السبعينات الميلادية، وفي زاوية الغرفة يوجد طابعة ماتركس تبدو معطلة ولكنها فجأة تصدر صوت غريب ويخرج منها الورق، هذا ببساطة كيف تتواصل الوزارات السعودية مع بعضها البعض كما وصفها الكاتب ستيفين هرتوغ في كتابه المهم عن البيروقراطية السعودية، على افتراض أن هذه الحكاية مبالغ فيها أو أن الزمن تغير، هل تتذكرون حجم الوقت الطويل والضجيج عندما جلس وزير العمل الحالي ورئيس هيئة الأمر بالمعروف في جلسات مطولة لتحديد السنتيميترات الازمة للفواصل في محلات بيع المستلزمات النسائية؟!
هناك حلان، الحل الأول هو أن يصدر قانون للتحرش فعلاً، تُشيد به الصحف، ونقول للعالم أننا نحترم المرأة والطفل والرجل وحقوق الجميع في العيش في عالم بلا تحرش وأننا نحرص على جسد وأذن المواطن الكريم من التحرش وفي اليوم التالي يتم التحرش بأي فتاة في الشارع ويبقى المتحرش بلا عقوبة، المهم هو القانون في هذا الحل وليس تطبيقه .. الحل الثاني هو أن تقوم كل أمارة ووزارة بتشريع قانون رادع للتحرش بما يناسب المنطقة أو طبيعة عمل كل وزارة، نخول الوزارات والمناطق كامل الصلاحيات بفرض العقوبات وبعد سنة نقيم التجارب المختلفة ونختار أفضل قانون للتحرش، الحل الأخير أسرع في التنفيذ وأكثر عملية في التطبيق.
المصدر: عكاظ