كاتب و روائي سعودي
يقال: أهل مكة أدرى بشعابها.
وهذا المثل القديم كان معنيا بمعرفة جغرافية مدينة مكة ذات الجبال والشعاب المتداخلة، والتي تفضي منحنياتها إلى أحياء وأزقة وبرحات وأسواق ومواقع، كان هذا فيما مضى من سالف العصر والأزمان، أما الآن فكثير من تضاريس مكة أزيلت، وغدا أهل مكة يبحثون عن منازل يسكنونها، وليسوا في حاجة لذلك المثل العريق.
وقد سبق أن كتبت عن نزع ملكيات عقارية في مكة المكرمة استهدف جزءا من منطقة الفلق وجبل قرن، وهي عقارات تم إزالتها وقابل نزعها تأخر في تعويض أصحاب العقارات، وقلت ــ حينها ــ إن تأخر التعويضات أمر غير مستساغ البتة، حيث أن أي جهة أو منطقة يتم اختيار نزع ملكيتها للصالح العام تكون ميزانية التعويض جاهزة، وإذا كان هذا هو الوضع الحقيقي، فلماذا يتم حجب التعويض لشهور أو لسنوات؟ فالمواطن الذي وجد عقاره ضمن الإزالة من حقه ــ شرعا وقانونا ــ أن يعوض في الحال. إذا، لماذا يحدث تباطؤ شديد في تسليم المواطنين حقوقهم من التعويضات، وهل هم بحاجة للصراخ كي تنبه أصواتهم جهات أخرى لوجود مماطلة أو إهمال أو فساد؟
ولا أعرف إلى أين ذهب استفساري واستفسار أصحاب العقارات المنزوعة في وجوب سرعة التعويض، كون الشخص الذي نزعت ملكية عقاره لن يكون قادرا على الشراء أو الاستئجار داخل مكة لارتفاع الأسعار، فكيف به وهو لا يملك شيئا يمكنه من الشراء أو الاستئجار؟
كانت هذه التساؤلات منصبة على المرحلة الأولى، وعندما جاءت المرحلة الثانية من المشروع، ولكونه مشروعا استثماريا، تريث الكثيرون منهم بقصد معرفة ثمن المتر عند التعويض، إلا أن اللجنة أهملت مطالباتهم وأخطرتهم بتاريخ الإزالة، ومن رفض سيتم قطع الكهرباء والماء عنه، بينما هم (أصحاب العقارات المنزوعة) يطالبون بمعرفة سعر المتر عند التعويض وقد أظهروا الدهشة حيال تكتم اللجنة عن إعلامهم بقيمة التعويض. ومضت الأسئلة الخاصة بهذا المشروع وما قبله ولم تنبس شفة اللجنة بأي إجابة.
والآن، وفي ظل نزع الملكيات وغلاء الإيجارات، ظهرت مطالبات لأهل مكة ــ وهي مطالبات مبررة ــ موجهة لأمانة العاصمة ووزارة الشؤون البلدية والقروية بالسماح للأهالي بزيادة عدد الأدوار، ففي كل المخططات البناء المسموح دوران وملحق فقط. وفي هذا الرفض تعنت، إذ أن البناء الرأسي هو الحل الأمثل مع المواقع ذات المساحات المحصورة، كما أن هؤلاء الأهالي يستطيعون من خلال تعددية الأدوار أن يضموا أبناءهم معهم في السكنى، فكما هو معلوم أن أهالي مكة ــ وعبر حقب زمنية طويلة ــ تعيش الأسرة في منزل واحد، فلماذا كل هذا التعنت، بينما تعدد الأدوار هو الحل الأمثل لمدينة كمكة.. ارحموا الناس، فالإيجارات والأراضي بلغت عنان السماء، وهم ــ أو أبناؤهم ــ لا يقدرون عليها.
وكل الأمنية أن لا تذهب هذه النداءات في الهواء كما ذهبت النداءات السابقة!
المصدر: عكاظ