كاتب سعودي
كانت والدتي – رحمها الله – تستمتع بالحديث مع الخادمة وتمثل دور المحامية لها عند مرضها أو حاجتها إلى تحويل أموال أو التسوق، بل كانت تعطيها بسخاء في كل المناسبات. هذا الطبع منتشر لدى كبيرات السن في المملكة فهن يقدمن للخادمات الهدايا والمبالغ المالية. تجمع الخادمات عندنا من الهدايا والمجوهرات ما يتجاوز دخلها.
يحصل السائقون – كذلك – على نفس القدر من المكافآت، بل إن بعض الأسر توكل مهمة شراء المستلزمات المنزلية للسائق، الأمر الذي يضمن حصوله على مزايا لدى البقالات المجاورة إضافة إلى الاحتفاظ بـ ”الباقي”، رغم وجود قلة قليلة من عينة قريبي الذي يطالب السائق بالشراء من أسواق معينة وإبراز الفواتير كل مرة.
لعل من نافلة القول أن المملكة هي أفضل الدول التي يمكن أن يعمل فيها الخادمات والسائقون من نواح عدة أهمها الوضع الاقتصادي الذي يسمح للعمالة بتوفير نسبة كبيرة من رواتبهم، بل إن كثيراً ممن يعملون في المملكة يعودون إلى ديارهم وقد جمعوا مبالغ أكبر من رواتبهم.
رغم أن أغلب الأسر استفادت من زيادة بلغت 15 في المائة في الرواتب قبل ثلاثة أعوام، إلا أن الوضع المالي للأسرة السعودية استمر في التراجع نتيجة ارتفاع الأسعار وثبات الدخل خلال السنوات الماضية، استمرت الأسعار في القفز بنسب وصلت في بعض الحالات إلى 70 في المائة وأكثر.
استغربت الحالة التي تعيشها أسواق العمالة المنزلية في المملكة، فبرغم أن المملكة احتلت المرتبة الخامسة مقارنة بدول مجلس التعاون في دخل الفرد بعد عمان حسب تقرير صندوق النقد الدولي، استمرت تكلفة استقدام العمالة في الارتفاع بشكل غير مبرر.
ذكر تقرير نشرته صحيفة ”الاقتصادية” يوم الأحد 20/1/1435هـ أن تكلفة استقدام العمالة في المملكة هي الأعلى خليجياً. بل إن التكلفة تعادل ضعف تكلفة أقرب دولة للمملكة في الترتيب وهي الكويت في حالة الخادمات بالذات. تعيش الأسر اليوم على حاجتها الماسة إلى هذه العمالة، ومع أن السوق السعودية هي الأكثر جذباً تستمر التكلفة في الارتفاع.
يعطي التقرير بعض الأمل غير الدقيق حول الفترة التي تحتاج إليها إجراءات الاستقدام. أعتقد أن الكثير من السعوديين لم تصل خادماتهم خلال الفترة التي ذكرها التقرير الذي يتحدث عن أربعة أشهر للخادمة وثلاثة للسائق. فلو حسبنا المدة الحقيقية التي تنتظرها الأسرة لكانت ثمانية أشهر للخادمة وستة للسائق أي الضعف. لكن التقرير اعتمد على معلومات تقدمها مكاتب الاستقدام، وهي معلومات ستكون دوماً مرتفعة بالنسبة إلى المبالغ المالية، ومنخفضة بالنسبة إلى المدة كما تعودنا جميعاً، وعلى المتضرر اللجوء لمكتب آخر.
قدم التقرير معلومات يجب أن تنتبه لها الجهات المختصة، فنحن في وضع اقتصادي لا يسمح بالمزيد من الضرر على الأسرة. إذ يفند كل ما كنا نسمعه عن أن مستوى الدخل في الدول التي تأتي منها العمالة هو السبب في ارتفاع الأسعار، فكيف نبرر الانخفاض الكبير في التكلفة في حالة دولة قطر وهي الأغنى خليجياً التي تبلغ تكلفة استقدام الخادمة فيها 41 في المائة من تكلفة استقدام الخادمة في السعودية، بل تبلغ تكلفة استقدام السائق 22 في المائة من تكلفة استقدامه في السعودية؟
هذا التقرير يضيف المزيد من الضبابية على وضع مكاتب الاستقدام في السعودية، فمن المعلوم أن مؤشر أسعار المستهلك في المملكة أقل من أغلب دول مجلس التعاون، وهو ما يزيد من جاذبية سوق العمل السعودية، إضافة إلى نسب التوفير العالية المتوافرة هنا بسبب عدم وجود ما يمكن أن يستهلك دخل السائق أو الخادمة من المغريات سوى تلك التي تشاركها فيها الأسرة، والأسرة تدفع تكلفتها في العادة.
إن التكتلات التجارية التي تستهدف المواطن وتتفق على مبالغ معينة للاستقدام ونقل الكفالة يجب أن تتوقف، على وزارة العمل أن تسيطر على السوق التي ارتفعت تكلفة نقل الكفالة فيه 300 في المائة بسبب محاصرة الاستقدام من إثيوبيا. واستمر استغلال المواطن فيه بشكل غير مقبول. لا يمكن أن تسكت الوزارة على هذا التباين في الأسعار بيننا وبين دول المجلس.
وما دامت الأسعار ثابتة بهذا الشكل في دول المجلس، أقترح أن يتم عقد اتفاقية يتم من خلالها تمكين المواطن السعودي من الاستقدام عن طريق دولة قطر ومملكة البحرين ودولة الكويت. هذه الدول الثلاث هي الأقل تكلفة، فبالنسبة إلى استقدام السائقين تعتبر الكويت الدولة الأقل تكلفة تليها دولة قطر، وبالنسبة إلى الخادمات تأتي البحرين كأقل دولة تليها دولة قطر. بهذه الطريقة نضمن أن تحصل الأسرة السعودية على عمالتها المنزلية بتكلفة معقولة. كما أن الفائدة ستستمر مع المواطن في رواتب الخادمة التي تقل عن تكلفتها في المملكة بنحو 700 ريال في الشهر، أي أن تكلفة الخادمة خلال سنتين ستنخفض بمبلغ يقارب 17000 ريال. يضاف إلى ذلك أن هذه الدول تقدم ميزة كبيرة فيما يتعلق بمدة انتظار وصول العمالة، حيث تقل عن السعودية بستة أشهر في بعض الحالات.
المصدر: الإقتصادية