تجولت في طوكيو و صعدت جبل فوجي الشهير و لم أشاهد أي كتابة على الجدران. ثمة صخور و بعض الجدران على الممر الطويل الذي يأخذك إلى قمة فوجي و لم أجد هناك أي كلمة عابثة كتبت على صخر أو جدار. أجزم أن النظام الصارم ضد العبث بالأماكن العامة و تشويه المعالم من أسباب ردع العابثين. لكن ذلك لا يكفي. لا بد أن التربية هي لاعب مهم في سلوك الناس وتعاملاتهم. لماذا نحن فوضويون؟ و لماذا نتماهى مع الفوضى؟ وأسئلة أخرى سألتها خلال زيارتي القصيرة لليابان.
كنت أراقب سلوك اليابانيين أثناء تنظيمهم المذهل للقاءات صندوق النقد الدولي و مجموعة البنك الدولي التي للتو انقضت في طوكيو. و لا أملك سوى الانبهار و الإعجاب الشديد بدقة التنظيم و صرامته. المنظمون كانوا في منتهى الجدية لكنهم يخجلونك بأدبهم وتقديرهم للنظام و للزائرين فلا يجاملون الضيف على حساب القانون و لا يصرخون في وجهه باسم النظام! الشوارع نظيفة و حركة السير منظمة و يكاد يشعر زائر المدينة أنه ضيف عزيز على كل مواطن في اليابان.
النظافة و الأناقة و دقة التنظيم من عناوين المشهد الذي عشته لأيام قصيرة في طوكيو. لكنني ما توقفت عن المقارنة بأحوالنا سائلاً: أين الخلل؟ و لو كان لديك إجابة أثق أنك ستسأل: من أين أبدأ؟ أعرف أن في ثقافتنا الكثير الكثير من الشعارات المبهرة التي تحث على النظافة و على الاحترام و على الإخلاص في العمل. لكن السؤال الأزلي يبقى كيف نترجم تلك الشعارات إلى فعل. ما فائدة الحديث الطويل عن حضارتنا الغابرة إن لم نشهد – على الأرض – امتدادها في سلوكنا و تفكيرنا و تعاملنا مع بعضنا البعض؟ و ما الفائدة من استحضار الماضي العريق إن لم يسهم في صقل أخلاق الناس و كف أذى المخربين عن الجدران و الصخور والشوارع والحدائق؟
هل كتبت الحدائق؟ وهل بقي في مدننا حدائق؟ معذرة فلعلي قصدت الرمال السائبة في صحرائنا الخالية التي – حتى هي – لم تسلم من عبث العابثين !