رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
حالة هستيرية أصابت صديقاً عزيزاً جعلته يبكي طوال الطريق من موقع حادث الضباب في أبوظبي إلى وجهته في إمارة عجمان، والسبب في ذلك كما يقول هو الآثار والمشاهد المؤلمة التي رآها بعينيه في موقع الحادث، على الرغم من وصوله عقب انقشاع الضباب، إلا أن مخلفات الحادث كانت توحي بتصوير مشهد فيلم مرعب، فعدد السيارات لا يُصدق، وطريقة تناثرها على الطريق مخيفة، والأضرار التي لحقت بها جسيمة، ولولا لطف الله وحده لشهد هذا المكان أبشع حادث من نوعه في تاريخ الإمارات!
25 مصاباً راوحت إصاباتهم بين البليغة والمتوسطة، نتيجة اصطدام 55 مركبة في ثلاثة حوادث بمدينتَي أبوظبي والعين وحدهما، بسبب الضباب وتدني الرؤية، ما يُعيد هذا الملف القديم المتجدد إلى الساحة مرة أخرى، ويفتح المجال لألف سؤال وسؤال، أهمها: هل عجزت الجهات المعنية في الدولة عن الوصول إلى حل مُجدٍ لتلافي هذه المشكلة؟ ألا توجد طريقة تقليدية أو تقنية تقينا حوادث الضباب؟!
إنها ليست المرة الأولى، فحوادث الضباب متكررة منذ سنوات، ففي عام 2008 وقع حادث غنتوت الشهير، الذي وقع على طريق أبوظبي ـ دبي، وكان أسوأ حادث تشهده طرق الدولة على الإطلاق، إذ أسفر عن وفاة أربعة أشخاص وإصابة 347 شخصاً، صنفت إصابات 15 منهم بالخطرة و60 متوسطة، وأكثر من 200 حالة بسيطة. بدأ الحادث بتصادم مركبتين وانحرافهما بعد التصادم، نتج عنه توالي التصادمات على الطريق، نتيجة الضباب وانعدام الرؤية وتطاير الزيوت على الرصيف، وعدم ترك مسافة كافية بين المركبات، واحترقت 35 مركبة من شدة التصادم.
وتكرر المشهد للمرة الثانية عام 2011، وشهدت منطقة السمحة ثاني أسوأ حادث من حيث عدد المركبات، حيث وقع تصادم تتابعي بين 127 سيارة، وأسفر عن وفاة شخص وإصابة 61. وفي يناير 2016 يتكرر المشهد ذاته على طريق أبوظبي – العين، ويصاب 23 شخصاً بإصابات مختلفة نتيجة اصطدام 96 مركبة في أربعة حوادث متفرقة، بسبب الضباب أيضاً، ما يدفعنا إلى التساؤل حول الإجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية منذ عام 2008 إلى اليوم لوقف هذه المآسي، وبكل تأكيد وثقة نستطيع القول إنه لم يتحرك أحد، بدليل وقوع حادث الضباب الأخير، وبشكل مشابه للحوادث السابقة!
ندرك أن هناك أخطاء بشرية من سائقين لا يتركون مسافة كافية، وربما يتجاوزون السرعة المقررة رغم ضعف الرؤية، وندرك أن الضباب شيء من الطبيعة لا يمكن التحكم به، ولكن هذا لا يعني أبداً ألا يتدخل أحد وبأي شكل من الأشكال للحد والتقليل من آثار الضباب وخطورته على السائقين، وليس من المعقول الاكتفاء بنشرات حالة الطقس التحذيرية، فهي لا تصل إلى الجميع، وقد لا يسمعها عدد من السائقين لأي سبب من الأسباب!
لابد من إجراءات فعلية على الطرق، فالضباب لا يأتي فجأة، والمركز الوطني للأرصاد يستطيع تحديد كثافته وتوقيته، ما يعني ضرورة تحرك الجهات المعنية على الأرض، والتدخل لتخفيف سرعات السائقين بمختلف الطرق، منها إغلاق عدد من المسارات، والاكتفاء بمسار أو مسارين، أو حتى إغلاق الطريق بأكمله في حالة انعدام الرؤية، وتحويل السائقين للطرق البديلة، لابد من وجود مكثف للدوريات في جميع الأماكن المشهورة بكثافة الضباب، فهذا أبسط ما يمكن فعله، على الرغم من إيماننا الكامل بوجود طرق تقنية أكثر جدوى يمكن الاستفادة منها، ولاشك أن العالم الحديث الذي استطاع اختراق الفضاء لن يعجز عن إيجاد وسيلة للتعامل مع الضباب، فلماذا لم يبحث أحد عنها منذ عشر سنوات بالضبط عندما وقع حادث غنتوت؟ هل يحق لنا أن نتساءل عن سبب ذلك؟!
المصدر: الإمارات اليوم