كاتب سعودي
الانطباع الأولي لموازنة الحكومة السعودية لسنة 2013 هو إصرار الحكومة القوي على مواصلة الإنفاق بسخاء. ويعود ذلك في نظري إلى ثلاثة أسباب رئيسة:
الأول: تهدف الحكومة السعودية إلى إخراج القطاعات الثلاثة الحيوية من عنق الزجاجة، وهي التعليم والصحة والنقل والمواصلات. فقد حظي التعليم بنحو 25 في المائة من موازنة 2013 وبنمو قدره 21 في المائة عن 2012. وحظي القطاع الصحي على 12 في المائة من حصة موازنة 2013 بنمو أعلى من 12 في المائة عن 2012. كما أن موازنة النقل وصلت إلى 65 مليار يال في 2013 بعد أن كانت نحو 35 مليارا في 2012. وتدرك الحكومة أن هذه القطاعات هي المؤشرات الفعلية لرفاهية المواطن في الحاضر والمستقبل.
الهدف الثاني: يبدو أن الحكومة السعودية غير متوجسة كثيرا من تراجع أسعار النفط في 2013. فرغم أن توقعات أسعار النفط من معظم بيوتات الخبرة ما زالت متفائلة، فإن الكثير من الغموض يلف أسعار النفط المتمثل في ركود محتمل في أمريكا وأوروبا معا، وما سينطوي على ذلك من تأثير بضعف الطلب على النفط، خصوصا وأن هناك توقعات بعودة نفط ليبيا والعراق إلى مستويات عالية، وقد تعود صادرات إيران النفطية إلى الأسواق في أي لحظة مما سيربك أسواق النفط. ويجعل قراءة أسعار النفط غاية في الصعوبة. إن قرار الحكومة بمواصلة الإنفاق التوسعي هو دلالة على عزم الحكومة على التوسع حتى لو حدثت بعض المفاجآت (تراجع قوي) في أسعار النفط. فهي تتكئ على احتياطيات أجنبية كبيرة تجاوزت 2.2 تريليون ريال، وخفضت الدين العام إلى نحو 99 مليار ريال وبنسبة ضئيلة جدا إلى إجمالي الناتج المحلي بلغت 3.6 في المائة. وبالتالي فإنها ستدخل سنة 2013 بمؤشرات مالية قوية جدا تدعمها كعتاد قوي لمجابهة أي احتمالات سيئة وخارجة عن التوقعات.
الهدف الثالث يكمن في أن الحكومة السعودية نجحت في انتشال الاقتصاد المحلي من الأزمات المالية العالمية المتتالية منذ 2006، فهي تخرج من أزمة انهيار سوق الأسهم المحلية بسلام، وتخرج من أزمة الرهن العقاري الأمريكي في 2008 بسلام، وتخرج من أزمة دبي في 2009 بسلام أيضا، ويعود ذلك في المقام الأول إلى استمرار الحكومة في الإنفاق بشكل كبير، حيث إن الإنفاق الفعلي تجاوز الإنفاق التقديري بنسبة 23.6 في المائة في 2012 و38.6 في المائة في 2011 وبين 16 في المائة و24 في المائة في الأعوام 2008 إلى 2010، حيث ساهمت زيادة مرتبات الموظفين وزيادة مشاريع الإسكان في هذه الزيادات الضخمة. وبسبب هذه النجاحات التي حالفت الحكومة السعودية في تجنب الأزمات العالمية وكذلك سعيها إلى المحافظة على الاستقرارا وأمن المواطنين والوطن في ظل القلاقل الإقليمية، فإنها واصلت وستواصل هذه السياسة في 2013 مما يجعلني أتوقع أن تتجاوز نفقات 2013 التقديرية نفقاتها الفلعلية بنسبة قد تتجاوز 10 في المائة. ذلك لأن إجمالي الإنفاق في سنة 2013 لن يكون فقط من موازنة العام نفسه، بل أيضا من موازنات الأعوام السابقة للمشاريع التي تشهد تعثرا ولم تنته في وقتها المحدد بعد، مما يجعل الاقتصاد السعودي ينعم بسيولة عالية متوقعة في 2013، وسيساهم في ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بنسبة أعلى مما حصل في 2012. فقد نما إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في 2012 بأكبر من المتوقع، فبينما كانت التوقعات تشير إلى نمو بنسبة 5.8 في المائة، فقد نما بنسبة كبيرة 6.8 في المائة؛ أي بفارق 1 في المائة. مما يخلق نوعا من التفاؤل لنمو أفضل في 2013 تحت أسوأ الاحتمالات في حال تحققت نظرتي التحليلية في هذه المقالة.
المصدر: الاقتصادية