كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية
من السهل القول إن ما من مسلسل واحد يستطيع أن يفي عمر بن الخطاب حقه، لكن الناقد لمسلسل عمر الذي أمتعنا وشغلنا في رمضان الفائت سيقول بذلك، فثمة قصور في المسلسل على روعته وحسن أدائه، ذلك أن عمر تاه فيه، كانت الكاميرا تنتقل بعيداً عنه إلى تفاصيل السيرة النبوية وغزوات الرسول عليه الصلاة والسلام ثم الفتوحات الإسلامية الكبرى، نعم قد عاش عمر كل هذا، وكان أحد أبطال هذه الأحداث، لكن ليس هذا الذي لفت انتباه مشاهدي المسلسل.
تابعت المسلسل بشغف، حباً في عمر، واطلاعاً على هذه التجربة الجريئة أن كسر منتجه ومخرجه وكاتبه «تابو» قديماً ألا يصور شخوص الخلفاء الراشدين وقيل أيضاً العشرة المبشرين بالجنة، كسر هذا الحظر التقليدي القديم سيفتح باباً للدراما والإبداع، وسوف يشجع آخرين لتكرار التجربة، وقد سبقهم إلى ذلك مسلسل الحسن والحسين، ومن قبل هؤلاء وهؤلاء فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد.
قوة المسلسل كانت في عمر وأقواله المأثورة، وفقهه ومواقفه الشهيرة، وخطبه، وبلاغته، هذه قوة عمر وميزة سيرته الباقية والمؤثرة في تاريخ وحضارة المسلمين، لكن مخرج المسلسل وكاتبه توسعا إلى أخبار الفتوحات ومشاهد القتال، وافتخر منتجه أن جمع عشرات آلاف من الرجال والسيوف والأزياء والأفيال والخيول والجمال، كل ذلك مكلف، ومبدع، استخدمت تقنيات جديدة، وبنيت مدن وأسوار، ولعل المسلسل كان فتحاً في استخدام الجرافيك، استغرق هذا منهم وكلفهم أكثر من حوار بين الخليفة عمر والصحابي بلال بن الحارث الذي أقطعه رسول الله عليه الصلاة والسلام وادي العقيق بالمدينة المنورة، فما أحيا إلا جزءاً منه وترك باقيه في ذمته، فأمره أن يعيد ما لم يحي من الأرض للمسلمين كي ينتفعوا بها ويبقى ما أحيا منها تحت يده، رفض الصحابي ذلك متعذراً أن رسول الله أقطعه إياها، فرد عليه عمر بحزم وفقه «إن رسول الله لم يقطعك، لتحتجزه عن الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته، ورد الباقي».
هذه القصة هي ما لفت انتباه المشاهدين، وليس مشاهد القتال في القادسية أو اليرموك على أهميتهما، لاحظت ذلك في مجالس الناس وفي تويتر، إذ علق كثيرون على حادثة إحياء الأرض لما فيها من فقه واقتصاد وورع، ومعالجة أيضاً لقضايا معاصرة.
لابد من مسلسل آخر لعمر، لا تخرج كاميرا تصويره من المدينة المنورة، يعيش مع عمر وصحابة رسول الله لحظة بلحظة لينقل ذلك التحول الهائل الذي يرقى إلى المعجزة، والذي حصل في تلك الواحة المتواضعة والتي تحولت إلى حاضرة ثرية خلال عشر سنوات من خلافة عمر، وما تبع ذلك من تحولات اجتماعية وسياسية استشرفها عمر، ومن معه من صحابة رسول الله، فتحاوروا وتشاوروا وأصدروا أحكاماً لا تزال مؤثرة في التشريع الإسلامي، فينقلها لنا كاتب بارع مثل وليد سيف الذي كتب المسلسل الأخير، بل ربما يجعل رائعة عباس العقاد «عبقرية عمر» هي المسلسل ذاته، ذلك أن العقاد لم يؤرخ لعمر، وإنما حلل المواقف، وشرح الأحكام والقرارات التي اتخذها الفاروق، أهمية ذلك هو أن سيرة عمر ليست تاريخاً وإنما سنة جاءت مكملة لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام خاصة في مسائل الحكم والتشريع.
ليت أحدهم يفعل ذلك، فما أشبعنا مسلسل عمر من عمر، بل نطمح في المزيد.
المصدر: مجلة روتانا