مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
كثيرون يعيشون الحياة، كأنهم مجرد مشاهدين يتابعون فيلماً سينمائياً، لا علاقة لهم بأحداثه، مجرد متفرجين لا أكثر، يقولون في دواخلهم «سينتهي الفيلم قريباً، وسنخرج لنندمج في مجاري الحياة في الخارج».
لكن الفيلم يطول، ويلتهم كل الوقت المتاح للحياة، أو كأنهم يتدربون على فعل الحياة، كطفل يتهجى خطواته الأولى. هؤلاء يتلصصون على مهرجان الحياة من خلف الستائر، يتشهون مأكولاتها الشهية، لكنهم لا يملكون الثمن! وفي كل حال، فإن هؤلاء يرغبون فعلاً في الحياة، لكنهم لا يعرفون إليها سبيلاً، والحياة معادلة ليست سهلة، رغم أنها متاحة للجميع، متاحة كالأفكار على قارعة كل طريق، لكن الذين أجادوا قراءة فكرة الحياة، وفهموا كيف يحيونها، هم الذين نجوا من السأم والانسحاب والندم بأعجوبة، فأن تتاح لك فرصة الحياة، ثم لا تعيشها، تحت أي ظرف، ولأي سبب، فندم ما بعده ندم!
لماذا لا يجيد الكثيرون فهْم الحياة، وبالتالي، يعيشونها كما تستحق وكما يقدرون؟ لماذا يعتقدون دائماً أن لديهم متسعاً ممتداً لها، وبأنهم مهما مر العمر، هناك فرصة لتعويض ما فاتهم؟ وكأن الحياة ستكون متاحة لهم لاحقاً، وفي أي وقت يقررون، وإلى ما لا نهاية؟!
لأنهم منشغلون بحيوات أناس آخرين، يعيشونها بدلاً منهم، أبناء، إخوة، أهل، أصدقاء، أهداف كبرى، أحلام مستحيلة، أوهام يجرون خلفها، (سننهي هذه المهمة ونتفرغ لحياتنا!)، هكذا يكررون، لكن الحياة غالباً ما تضمر لهم خدعتها المعروفة، كمتاهة بلا نهاية!
نعيش أحياناً كأننا أشخاص آخرون، مع أننا جميعاً مُنحنا فرصة واحدة فقط للحياة، فلماذا نعيش كأننا نمثل دور أشخاص آخرين، فننسى ما يجب علينا أن نقوم به، ونتقمص ردات فعل الآخرين، ومع مرور الأيام، نتخلى عن أنفسنا شيئاً فشيئاً، تماما كما ينزع ثيابه قطعة قطعة ليندس في الفراش عاريا لأن احدا لن يراه! ويوما إثر اخر يروق له ذلك دون أن ينتبه لمقدار خسائره!
الحقيقة هي أننا نخاف من مقاربة الحياة وتحدياتها وأسئلتها، ومن يخاف لا يعيش حقاً، لذلك، إما أن يتفرج، أو يمثل!
المصدر: البيان