لا تتحرك الجيوش للتنزه، ولا تدخل بلاداً ليست بلادها لاستكشاف مزاياها وأماكنها السياحية، ولا تشغل بالها مظالم الشعوب الأخرى ومآسيها.
هي تصنع المآسي، وتنشر الموت، وتمزق أواصر التراحم بين البشر، هي تشعل حروباً، والحروب ما جلبت في يوم من الأيام غير الموت والدمار، عندما تستخدم لتحقيق أحلام شخص اعتقد بأنه يملك الكون وما فيه، فقط لأنه استطاع أن يعد جيشاً قوياً بعدده وعتاده، وركبه الغرور، ومنح نفسه حق العيش في النعيم، بينما غيره يسلبون، ويخضعون لأوامره، فيرسل جحافله إلى الضعفاء، ويضم الجميع من حوله إلى ملكه.
وخذوا الاتحاد السوفييتي مثالاً، ذلك القطب الثنائي للعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، كان دولة عظمى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يحكم نصف العالم تقريباً، أرض روسيا الشاسعة، وشرق أوروبا، وأغلب بلاد وسط آسيا، مع أتباع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، وكان نداً قوياً للغرب بقيادة الولايات المتحدة، صنع أسلحة دمار كما يصنعون، ووصل إلى الفضاء عندما كانوا لايزالون يفكرون، ونشر فكره الإلحادي في كل أرجاء المعمورة، ووصل إلى شوارع وجامعات لندن وباريس ونيويورك، وساند حركات انفصالية في إيطاليا واليابان وإسبانيا وألمانيا وفي بلاد العرب والمسلمين، وأسس الأحزاب الشيوعية ومولها، فأهدر ثرواته، وغفل عن اقتصاده، وحول شعوبه المرفهة إلى آلات تنتج ولا تجد ما يكفيها من القوت، وفي ليلة ظلماء قرر أن يرسل جيشه إلى بلاد لا تغنيه، ولا تمثل إضافة لملكه العظيم، ولكن من كانوا يجلسون على كراسي «الكرملين» اعتبروا أفغانستان خطوة مهمة تقربهم من المياه الدافئة، فكان الغزو، وكانت المصيدة الكبرى لذلك الجيش العظيم، وكانت النتيجة انهياراً للدولة العظمى، واختفى بعد عشر سنوات من غزو أفغانستان الاتحاد السوفييتي.
كان ذلك درساً يبدو أنه لم يقرأ جيداً ولم يتعلموا منه.
المصدر: البيان