كاتبة سعودية
حين تضع وزارة العمل نظام مبالغ التفاصيل والتحويلات في برنامج تأنيث المحلات لإرضاء شريحة معينة ليس لها دراية بقوانين العمل الدولية، فستنتهي أغلب الأعمال المتعلقة بها إلى التشتت بسبب تلك التعقيدات التي صُممت بطريقة سهلت لأصحاب العمل بالمخالفة. ولأن عملية المجاملة تلك فرضت على الوزارة أن تُحجم من سلطتها وأنظمتها وحدت لصنع كمية من المتناقضات في قالب رسمي على حساب المنطق والعقل. فكان من الطبيعي أن يستمر مسلسل التحايل والالتفاف على تلك الأنظمة «المتناقضة رسمياً» بشكل رسمي أيضاً. لأن مبدأ الاحتيال أساسه الخديعة، فلن تُترك تلك الأنظمة المخترقة دون استغلال، ليتحول قرار التأنيث برمته إلى مسرحية هزيلة يستغفل بها أصحاب العمل قرارات الوزارة بكل سهولة.
كان يوم الخميس الماضي بالنسبة لي يوم الغضب. لأنني اخترت التسوق داخل (مجمع الظهران) في الخبر، مجبراً أخاك لا بطل. لأن به أكبر عدد من المحلات تحت سقف واحد. ولماذا «مجبرا»، لكمية المتناقضات والأمور المزعجة في ذلك المجمع التي ربما سأخصص لسردها مقالا آخر.
توجهت إلى أحد المحلات التي كنت أعرف مسبقا بوجود مجموعة من الموظفات بداخله. وحين دخلت فوجئت بانتشار عمالة «عربية» بدلاً عنهن. بحثت بنظري إلى أن وجدت حاجزا في أقصى اليمين تقف خلفه موظفتان في مساحة ضيقة جدا جدا. وكأنهن معاقبات بجوار حاملين من فساتين السهرة التي تعد في نظام العمل (ملابس مستهدفة بالتأنيث). وفي بقية المحل الواسع جدا جدا، انتشر بقية العمال في مساحة حرة للحركة متنقلين بين النساء بشكل طبيعي. لم أستطع تجاهل الأمر فتوجهت إلى المحاسبة أسأل عن بقية الموظفات. فقال المحاسب «صُرفن من المحل» فأجبت كيف (لا أحد يجرؤ على إلغاء القرار السامي) وحين أصررت لمعرفة السبب، قال وكأنه يحفظ النص«البنات وراء خفض المبيعات ولا يعرفن البيع». وتبريرات أخرى كانت كفيلة لاستفزازي وفوران الدم في عروقي. الفتاة فطرياً لا تحتاج لمهارة لتبيع لأخرى ربطة شعر أو طلاء أظافر، وإن لم يكتسبن تلك المهارة في العمل فالمسؤولية تقع على عاتق صاحب العمل، الذي يتعمد بنصب شركٍ لهن بوضعهن في فوهة المدفع ليثبتن فشلهن.
غادرت المحل غاضبة واتجهت لآخر مجاور أبحث عن مجموعة أخرى من العاملات اعتدت أن أشد من أزرهن منذ بداية التأنيث وعلى مدى ثلاث سنوات تقريبا. فوجدت المحل يعج بعمالة آسيوية وعربية!!
كان نص القرار الملكي أ/121 بقصر العمل في المحلات النسائية على المرأة السعودية فقط واضحا كالشمس، ولا يتحمل كل تلك التكهنات والتعقيدات، التي من شأنها أن تصنف كعنف وظيفي ضد المرأة، حين ضُيق عليها وعوملت بقسوة وسلبت حقوقها الإنسانية لتكهنات يساورها الشك. بينما مُنح في المقابل صاحب العمل مساحة مرنة للتنمر عليها والاحتيال على الأنظمة لتوظيف وافد مكانها.
السؤال هل كان يقتصر التفتيش من وزارة العمل على عدد العاملات في الوردية وطول وسمك الحواجز واللوحات الإرشادية فقط دون قياس حجم المساحة التي تُحبس داخلها الموظفات وراء الحواجز التي ضيّقت عليهن أثناء الدوام وعلينا أثناء التسوق. ومن الجهة الأخرى للحاجز بقية النساء يتسوقن ويمارسن حياتهن بشكل طبيعي. أما البائعون فيتحركون في المساحة كاملة بحريتهم. هل هذا ما يسمى بتوفير بيئة عمل مناسبة أم التعمد بخلق بيئة تعيسة تجلب الهم والاكتئاب ومحاصرة العاملات بجنون الارتياب بأنظمة تهتم فقط بسماكة ما ترتدي وارتفاع السياج الذي يحجبها وهن من الأساس محتشمات دون أدنى اعتبار لنفسيتها أو وضع قناة لرصد المشكلات والتهديد والتخويف الذي تتعرض له من سوء التنظيم بين الأولويات والضروريات.
لم تستفزني تلك المشاهد، على قدر ما جرحتني كامرأة عاملة تخدم الوطن. عندما أصبح سلب وظائف العاملات أبسط عنف وظيفي يمكن أن تتعرض له جهارا من قبل صاحب العمل الذي يعتبر التوطين نزلة برد وستنتهي، ومن الظلاميين الذين كرسوا أنفسهم بالافتراء وتلويث سمعتها ليثنوها عن الاستمرار في العمل. ولا يهم الفريقان إن تسولت المرأة أو تربعت على بسطة جانب الطريق. ولأن التظلم يصل أسرع في تويتر أطلقت عدة تغريدات للوزير وللوزارة أسجل بها نقطة نظام لعملية احتيال يلعبها التاجر.
أخذت الأفكار تنهش رأسي إلى الساعات الأولى من صباح الجمعة. وصورة الفتاتين في تلك «الزنزانة» خلف الحاجز لم تفارقني. في الـ 9:30. تواصل معي المركز الإعلامي لوزارة العمل وتجاوب وكيل الوزارة المساعد للبرامج الخاصة وتفاعل رئيس قسم التفتيش في مكتب الخبر. وتم تكثيف عمليات التفتيش التي انتشرت في نفس اليوم وكنت شاهدة على جزء منها، وتم رصد عدة مخالفات ولكن هذا لم ينه القضية بل كشفها.
فتحت الدولة أبوابها للإخوة لبعض «العرب». ووضعت لهم تسهيلات وترتيبات خاصة تنظم عملهم. وهذا ليس سببا ليمنح التجار الحق لأنفسهم بسلب وظائف التأنيث وابتلاعها. فنحن كقوى عاملة (لن نتنازل عنها). لأن أحد أهداف برنامج التوطين التقليل من نسبة البطالة النسائية وليس زيادتها، وهذا الأمر لن يتحقق بالوضع الحالي بل بالتأنيث الكامل دون تسويف، ونتمنى من الوزارة إعادة هيبتها بإصدار قرارات حاسمة ومنطقية، تعيد فيها «الكرامة» للعاملات. ثم إلى متى سنظل نحارب من أجل بديهيات تمارس حول العالم منذ عقود. وهنا نضطر لمجاملة الظلاميين لتكهناتهم الشخصية.
المصدر: صحيفة الشرق السعودية