رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
شخصياً، توقعت أن تكون المحاضرة التي ألقاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، ليلة الثلاثاء في مسرح المجاز، مفيدة جداً وغنية بالمعلومات، فسموه مكتبة معرفية بشرية مليئة بالعلم والمعرفة والثقافة والحكمة، لكني لم أتوقع أبداً أن أسمع معلومات ضاربة في جذور التاريخ للمرة الأولى، ولم أتوقع أن أكتشف أنا وغيري من الحضور افتقارنا إلى كثير من التفاصيل حول أصل العرب، وكيفية تكوينهم، وعن اللغة العربية وكيف بدأت، وما أصولها وجذورها، وأعتقد أننا لسنا وحدنا كذلك، فهناك ملايين غيرنا من العرب، لا يعرفون إجابة السؤال الذي كان عنوان محاضرة الشيخ سلطان، وهو «من هم العرب؟».
العرب أمة ساميّة، لها تاريخ عريق، يحاول كثير من الأعداء، خصوصاً من المتشددين اليهود والصهاينة وغيرهم، أن يطمسوه ويشوهوه، ويضيفوا إليه المغالطات وفقاً لأهوائهم وغاياتهم، ومن هنا تحديداً ظهر ذلك اليهودي ذو اللحية البيضاء، الذي بلغ من العمر عتياً، وبكل فجاجة ووقاحة على شاشات التلفزة وهو يقول: «لا علاقة للعرب بفلسطين، فهم مجموعة عمال استقطبهم أجدادنا اليهود قبل 100 عام ليعملوا لدينا ويخدمونا، فكيف يتجرأون اليوم للمطالبة بدولة لهم في أراضي إسرائيل»!
مثل هذه الادعاءات الساذجة قد تجد لها آذاناً صاغية في الغرب والعالم، وإن لم نكن نحن العرب نملك الحجج والبراهين التاريخية، التي تثبت عراقتنا وحقوقنا في فلسطين وغيرها، فلا شك في أن تلك الآذان ستتضاعف عدداً، وسيميل العالم إلى ترجيح كفة الكذب على الحقيقة، وكفة التزييف على الحقائق التاريخية!
من أين جاءت اللغة العربية؟ وما مكوناتها؟ مثل هذه المعلومة الأساسية لأي عربي لم تمر علينا أبداً في مناهجنا التعليمية، ولا في دراستنا الإعدادية أو الثانوية، ولا أدري إن كانت موجودة في بعض التخصصات الجامعية، فهي كما ذكر سموه «خليط من اللغات السامية؛ الآرامية والكنعانية والأكادية والسبئية، وهي أقرب لغة حية إلى الآرامية الأصلية الضاربة في جذور التاريخ، التي كتبت بها التوراة»، ما يعني أنها أهم وأقدم وأشمل وأعظم من اللغة العبرية، وغيرها من اللغات!
محاضرة الأمس نقلتنا من مسرح المجاز في إمارة صغيرة، ضمن دولة عربية صغيرة، إلى أكثر من 3000 سنة، حيث تاريخنا العظيم والعريق، تنقلنا بكل بساطة مع خطوط ذلك القلم الأسود الذي كان يستخدمه الشيخ سلطان للشرح على الخارطة «الكمبيوترية» الظاهرة على الشاشات الكبيرة في المسرح، مع القبائل السامية في هجراتها وتنقلاتها من الشام إلى العراق وفلسطين ومصر، وإلى الجبال المحاذية للبحر الأحمر وصولاً إلى اليمن، ومن ثم تغلغلها في الجزيرة العربية، عشنا معه وتخيلنا من كلامه زمن نوح وأبنائه، إلى زمن إسماعيل وأبنائه إلى قبيلة قريش، وبالمناسبة عرفنا في هذه المحاضرة أن قريش تعني «التجمع»، وأن كلمة العرب تعود إلى «الماء»، فبئر الماء تسمى «عربة»، والمعمدان عند المسيحيين هو العراب!
في أقل من ساعتين، وبأسلوب سهل وسلس ومشوق، لخص سموه آلاف السنين بشكل متميز، حيث حرص على تبسيط التاريخ مع الحرص على عدم الاجتزاء منه، وأوصل المعلومة بشرحه الوافي، والأهم من ذلك أن جميع المعلومات، التي قدمها الدكتور سلطان في المحاضرة، موثقة بوثائق وأحفوريات وأدلة تاريخية دامغة، يمتلكها سموه، وبصراحة تمنينا جميعاً في تلك الليلة لو أن سلطان القاسمي استرسل، ولسان حالنا كان يقول «ليته لم يتوقف عن الكلام»!
المصدر: الإمارات اليوم