كاتبة سعودية
كانت الطفلة ليلى تلهو أمام بيتهم مع فتيات أخريات، في تلك الضيعة المتواضعة، الواقعة على أطراف المدينة الصاخبة، تلعب بأحجار صغيرة جمعتها من بين التراب، الشيء الوحيد الذي كانت توفره لهن الطبيعة دون تكلفة. ودون أن تعي الصغيرات أن ذلك الرجل الملتحي، الذي كان يتجول يوميا على الطريق أمامهن، كان قد أخذ على عاتقه مهمة البحث عن «بيضاء الثلج» التي لا تهرم سريعا، بل يكون أمامها سنوات طويلة قبل أن تغزوها أول تجعيدة. فبعد أن جاب الكرة الأرضية يتفحص بنات الناس، مطالبا بحقه الشرعي في رؤية من يتقدم لخطبتهن، وهو في الأساس لا يكترث بحقوق الآخرين الشرعية، وجد بيضاء الثلج أخيرا، كما رسمها في مخيلته، ولا يهم إن لم تكتمل هويتها الأنثوية بعد، المهم أن حجمها ووزنها جاءا على هواه، كمن يشتري دجاجة من المزرعة وليس إنسانة. فقرر أن يمتلكها على الفور، وبعد أن تأكد في فترة مراقبته لبيت الأسرة، أنهم يعيشون على الكفاف، تودد لوالديها، وقضى بضعة أشهر في استدراج فريسته كالضبع، ملوحا بالطُعم، لتبتلعه الأسرة بأكملها.
تزوج ذلك الكائن البيدوفيلي بيضاء الثلج وأخذها إلى بلده، وبعد عدة أشهر شاءت الأقدار أن تحمل، فجن جنونه لأن حملها أفسد عليه خطته، حيث كان هدفه أن يجعلها سُخرة، بين المتعة والخدمة فقط، فإذا ما أتى عليها، ألقاها واستبدلها بفريسة أخرى. فالزواج في عقليته المريضة ومن على شاكلته، مجرد بضاعة يشتريها بماله. لذا تسلمت والدته مهمة إسقاط الجنين بكل قسوة، فعهدت إليها بتنظيف البيت الكبير، وحمل أثقال لا يحتملها الرجال، دون أدنى اعتبار بأنها طفلة قاصر، تحمل لأول مرة وبعيدة عن أهلها. ومع أن الأطفال عادة لا يتقنون أعمال المنزل، كانت ليلى تحاول بذل كل ما بوسعها، لتجعل تلك الوجوه الغاضبة سعيدة، ومع ذلك كان لا شيء ممكن أن يسعد تلك القلوب التي جُبلت على القسوة. فحين كانت تتأوه من الإرهاق، تُنعت بالقذارة والإهمال، فاستمرت بالأعمال المضنية إلى أن سقط حملها.
وحين حملت للمرة الثانية، طلب منها ذلك الكائن المريض الذي اشتراها بماله، أن تتناول حبوبا لإسقاط جنينها الثاني بالقوة، وحين رفضت تعرضت لسيل من التجريح والمعاملة القاسية.
ذلك الوقت كانت لا تعي الصغيرة أن في الدنيا مرضى يفرغون أمراضهم النفسية، في صغار يتزوجونهم من بلدان فقيرة، ليفتكوا بهن بعيدا عن أسرهن. لم تفهم سبب غضبهم، ولم تفهم سبب معاملتهم القاسية، لم تسمع آنذاك سوى صوت فطرتها، تلح عليها بأن تُبقي على ما يتحرك في أحشائها. فعقلها الصغير كان لا يعي أن ذلك الضبع سيمتص دمها وطفولتها ويلقيها في العراء. وهذا ما حدث بالفعل. في ليلة وضحاها، وشت له والدته وشاية الخيانة، لأنها ربته على الكُره والأنانية والغرور. فسقط صريعا لهواجسه وخيالاته التي كان تتسرب إلى نفسه من نسيج أمراضه الكامنة، فدخل عليها يوما يطعنها في شرفها، ويتلذذ بضربها وتعذيبها بوحشية، لتسقط مغشيا عليها، فنثر الماء على وجهها، وحين أفاقت لم يرحمها، بل عاد بضربها من جديد، من أجل أن ينتزع ويوثق اعترافا بالخيانة، وحين أقسمت بأنها لم تفعل، وضع نصل السكين تحت رقبتها، مهددا بجزها من الوريد للوريد كعتاة المجرمين، إلى أن انهارت من الألم، وقالت كل ما كان يمليه عليها من اعترافات باطلة. عادت ليلى ذلك المساء إلى بلدها مثقلة بالألم والإصابات، مثل التي نجت للتو من قذيفة حرب غادرة. ذوت وذبلت وسقطت كورقة شجر جافة في موسم الحزن، بعد أن حُرمت من أبنائها الثلاثة، لتصبح مطلقة وهي ما زالت قاصرا، وقبل أن تكمل الـ17 من عمرها.
حين يهرع ذكر للاقتران بقاصر من دولة عربية، يكبرها بـ20 سنة، متعمدا اختيارها من أسرة تعيش تحت خط الفقر. فهذا لا يعتبر صدقة أو مساعدة لأسرتها، بل نذالة مغلفة باستغلال وانتهاك لأسمى القيم الإنسانية، واستخدام سيئ للحرية الشخصية التي يحرص عليها لنفسه، ويصادرها من حياة غيره. والحقيقة لا أعرف كيف يتجرأ ويستميت مثل هذا الكائن بالدفاع عن نفسه، بالتذكير بقصة زواج السيدة عائشة، رضي الله عنها، دون أن يرى قباحة فكره، مثل كثيرين غيره، يراؤون بهيئة الورع والتقى مستغلين فقر الناس، ولا يرون العيب في انتهاك براءة الطفولة باسم الحلال، وفوق ذلك يضعون أنفسهم بكل وقاحة في مقام الأنبياء، عليهم أفضل الصلاة والسلام.
أنصفت حكومة خادم الحرمين الشريفين «ليلى»، وأمهات أخريات غيرها، بعد أن أقر مجلس الوزراء، منح أم الأولاد السعوديين إقامة دائمة في المملكة على كفالة نفسها، وتحملت الدولة مشكورة رسوم إقامتها، وعاملتها معاملة المواطنين في العلاج والدراسة والعمل، بعد أن تجاوز وحشية تلك الضباع المدى، فلم يكتف بحرمان الأمهات من رؤية أبنائهن فقط، بل أصبحوا أقل ما يفعلونه الآن، الطعن في شرفهن، دون أن يدركوا أنهم بذلك يشوهون سمعة أبنائهم، فقط لينتصروا في النهاية، ولكن مهما كانت أنواع تلك الضباع رقطاء أو عسبار أو غثراء أصبحنا نعرف جيدا، أنها فصيلة لا تعرف سوى الوحشية.
المصدر:الوطن السعودية