كاتب قطري
دخلت الثورة السورية عامها الخامس، وما زال هدفها لم يتحقق، نظراً لواقع الحال على الأرض في سوريا، ومواقف الدول الحليفة لها وغير الحليفة، والتي أجّلت التوصل إلى حل حاسم، عسكرياً كان أم سياسياً، لإنهاء مأساة الشعب السوري.
وبدأ البعض يتوجس من أن مطاطية الموقف الأميركي أعطت الضوء الأخضر لحلفاء بشار الأسد للتمسك ببقائه في الحكم، حتى جاءت قنبلة وزير الخارجية الأميركي (جون كيري)، حين قال قبل أيام إن «على الولايات المتحدة وحلفائها التفاوض مع الرئيس السوري من أجل انتقال سياسي في سوريا»! هذا التصريح أظهر بأن السياسة الأميركية المعلنة تجاه سوريا قد انحرفت، حيث غابت عنه كلمات لم تخل منها التصريحات السابقة لكيري، مثل فقدان نظام الأسد للشرعية، وكونه جزءا من المشكلة وليس الحل، وضرورة رحيله فوراً.
لقد حاولت الإدارة لملمة القضية بتصريحات تبرر نبرة التصريح المذكور، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «إن الأسد لن يكون مفاوضاً للولايات المتحدة»!
والغريب أن موقف الإدارة الأمريكية يزداد «نعومةً» مع ازدياد «خشونة» النظام في تعامله مع شعبه، حيث راح ضحية الأزمة نحو 215 ألف شخص، وتم تشريد 12 مليون شخص داخل وخارج سوريا، ناهيك عن تدمير البنى التحتية والمناطق الأثرية، ودخول البلاد حالة شاملة من الفوضى والبؤس.
ويتبادر للذهن وجود اتفاق أميركي روسي على ترك الأمور تتصاعد في سوريا، كي تخور قوة الجميع، ثم يتم التفاوض مع الطرف الأقل «جراحاً»!
إن المبرر الذي من أجله استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية لغزو العراق، وهو «مظنة» وجود سلاح كيماوي في العراق، لم يُستخدم في الحالة السورية، رغم استخدام نظام الأسد البراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دولياً.
وكعادة الولايات المتحدة في تعاطيها مع أحداث المنطقة، منذ نكبة فلسطين عام 1948، فإنها تدع النار تأكل الأوراق حتى النهاية، بينما تُشغل الرأي العام بقضية فرعية، مثل الإرهاب هذه الأيام، ولكأن استخدام النظام للبراميل المتفجرة والغازات السامة ليس شكلا من أشكال الإرهاب!
كما أن التقارب الأميركي الإيراني، والذي تأمل منه واشنطن الحصول على «تنازلات» إيرانية، مقابل رفع الحظر الدولي على إيران، قد لا يفيد في الحالة السورية، لأن إيران لا تريد فقدان موطئ قدم لها في سوريا، ولا تريد تغيير النظام الموالي لها في دمشق، حتى لو توصل الأميركيون والإيرانيون إلى اتفاق من نوع ما حول النووي.
وهناك من يرى أن العد التنازلي قد بدأ لسقوط الأسد، وأن على إيران التأسيس لمرحلة ما بعد الأسد، لذلك فإن «التفاهمها» المرحلية مع الولايات المتحدة تسير في هذا الاتجاه.
لكن إذا ما فشلت الإدارة الأميركية في ربط الملف النووي الإيراني بإيجاد حل للأزمة السورية، فإن خيارات عدة ستبدو في الأفق، ولن يكون من المُستبعد توجُه واشنطن نحو أنقره، وبدء عمل جديد غير متوقع، علماً بأن تركيا أبدت انزعاجاً حيال تصريحات كيري حول التفاوض مع الأسد.
لكن الإشكالية هي تفرق أطراف الثورة السورية وتعدد منابرها وتخلخل صفوف «الجيش الحر»، بينما دخلت «داعش» على الخط وخلطت الأوراق! ولقد توجست الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من «منتدى موسكو2)» الذي سيُعقد الشهر المقبل، باعتباره محاولة لـ«تعويم» الأسد. ولقد صرّح عضو الهيئة السياسية في الائتلاف (أنس العبدة) في 22/3/2015 بأنه «لا مبررات لحضور منتدى موسكو2، خصوصاً أننا نلمس محاولات من حلفاء النظام، وبينهم روسيا وإيران، لتعويم الأسد مجدداً وإعادة تأهيله»، مؤكداً «رفض أي عملية انتقال سياسي يكون الأسد جزءاً منها».
وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت مؤخراً بأن القوات السورية هاجمت بلدةً في ريف إدلب بغاز الكلور، ما أدى إلى قتل عائلة بأكملها، وطالبت بإحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية!
وهل يحتاج الأمر إلى «تيقن» دولي من استخدام النظام للمواد الحارقة والمحرمة دولياً والبراميل المتفجرة التي نراها تتطاير من طائرات الجيش السوري فوق بيوت الآمنين؟!
لا يجوز بحال من الأحوال أن يستمر النفاق السياسي الدولي، بتجاهل لب القضية السورية، واقتصارها على البحث عن عناصر الإرهاب وتجفيف منابعه!
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=84006