رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
ها هو المشهد يتكرر. القصة واحدة والسيناريو متغير. «حماس» تستفز إسرائيل. ترد الثانية على الصفعة بألف منها. لا تصل إسرائيل لمن تبحث عنهم. تصبّ جام غضبها على الأبرياء الفلسطينيين. تقتل المئات. تجرح الآلاف. تهدم البيوت على من فيها. يحرق المستوطنون شابا فلسطينيا وهو حي. أيام وتنتهي الحرب الإسرائيلية. يظهر «الحمساويون» بعد أن اختبأوا طوال فترة الحرب تحت الأرض، يعودون إلى ما كانوا عليه، عندها تكون المساعدات المليارية قد وصلتهم. يضمد الشعب الفلسطيني جراحه بانتظار عدوان إسرائيلي آخر، لا يقل همجية عن الذي قبله.
المسلسل الحمساوي مع الغطرسة الإسرائيلية ليس جديدا، الرد الإسرائيلي المبالغ فيه، قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا، مستمر. الدفاع الأميركي عن الحليف الدائم غير مستغرب. تخاذل مجلس الأمن لم يعد استثناء. التردد الدولي يبقى كما هو منذ خمسين عاما. يجتمع العرب ولا حل لديهم، دائما القوي هو من يفرض الحلول. يصدّ العالم عن واجبه أمام العدوان الإسرائيلي. منظمات حقوق الإنسان التي صدعت رؤوسنا بتفاهات لا تلتفت لأسرة فلسطينية مُنحت 10 دقائق لمغادرة منزلها قبل موعد صاروخ إسرائيلي مدمر. خالد مشعل من الدوحة يطالب أهالي غزة بالصمود.
القبة الحديدية تحمي وتحصن تل أبيب وشقيقاتها من الصواريخ الحمساوية. آلة الحرب الإسرائيلية تواصل دك غزة بلا هوادة. تقاوم «حماس» بأجساد أبناء غزة. تحمي إسرائيل مواطنيها بقتل الفلسطينيين. 78 من القتلى مدنيون. نتنياهو يزعم أن «حماس» تختبئ خلف الأبرياء. نتنياهو يحدد 1000 هدف في غزة، لا يهم إن كانت جلها أهدافا مدنية. نتنياهو لا يأسف على قتل الأطفال.
موجة من الغضب تجتاح الشارع العربي. مشاهد لا تحتمل. أطفال يقتلون أو ييتمون. نساء يهجرن من منازلهن. ترتفع وتيرة الغضب. ما الذي أثبتته الحروب السابقة على غزة؟ الغضب مؤقت، والمشاعر الحزينة لا تستمر طويلا. سيقتل الإسرائيليون المئات. وسيدمرون البنية التحتية الضعيفة أصلا لغزة. ستعود الطائرات الإسرائيلية لقواعدها سالمة. ستتوقف «حماس» عن إطلاق صواريخها أيضا. الخاسر الأكبر سيكون الإنسان الفلسطيني. قراره ليس في يده. هناك من قرر الحرب بدلا منه، وهناك من حرضه على المقاومة وهو آمن في سربه. و«حماس» سيرتفع رصيدها بفعل المساعدات. ستزعم أنها انتصرت. لا يهم الثمن. لا يهم المقابل.
من يرصد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، يذهل من حجم الخسائر الإسرائيلية المحدودة، مقابل حجم الخسائر المهولة على الفلسطينيين. حماس نفسها لم تقدم يوما رصدا لحجم الخسائر التي حلت على عدوها، هل كانت تستحق الأرواح التي زهقت؟ بالطبع لا أحد يسأل. الأهم أن ترتفع الأصوات بشعار المقاومة الذي تطرب له الآذان مهما كانت النتيجة كارثية. نفس حكاية حسن نصر الله ومقاومة إسرائيل. انتهت بتدمير نصف لبنان، وتوجيه سلاح حزب الله ليقتل السوريين الأبرياء.
هل تلام «حماس» على تصرفاتها؟ بالتأكيد تلام. هل بالغت إسرائيل في ردها؟ بالطبع بالغت وبشكل همجي يخالف كل القوانين الإنسانية. حتى فرنسا أُحرجت مما تفعله إسرائيل، فخرج وزير خارجيتها ليطالب تل أبيب بـ«الاعتدال» في ردها على الصواريخ التي تطلقها «حماس»، كما طالب بأن تحترم القانون الدولي. متى احترمت إسرائيل القانون الدولي في تاريخها؟! متى توقفت «حماس» عن المتاجرة بدماء أبناء شعبها؟!
المصدر: الشرق الأوسط