كاتب وصحفي سعودي
تتركز غالبية النقاشات والسجالات في السعودية خلال الفترة الأخيرة حول مسائل ثلاث: الأولى «سياسية» بامتياز، والثانية «اجتماعية» – سياسية، أما الثالثة فهي «رياضية»!
الأولى حول الأزمة السورية، ودموية نظام الأسد، وموقف واشنطن المتخاذل منها، وتدخل إيران وتعنّت روسيا، إضافة إلى القانون السعودي الجديد حول الإرهاب، وتعيين الأمير مقرن ولياً لولي العهد. والمسألة الثانية تدور رحاها في المجالس النسوية والرجالية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتحدث عنها كثر، وعلى رغم أنها قضية «شد وجذب» قديمة مرّت عليها عقود، إلا أنها لا تزال تراوح في المربع الأول، ويبدو أن الحكومة لا ترغب في إغلاق هذا الملف، فيما المستفيد السائق الأجنبي، والمتضرر المرأة في السعودية!
أما «الرياضية»، فظهرت بتصدر نادي النصر الدوري السعودي وقبل حصوله على البطولة، إذ أصبح شعار جماهيره «متصدر لا تكلمني»!
لن أتحدث هنا عن سجالات النخب أو جماهير الرياضة، ولذلك اخترت الحديث عن القضية الوسطى، فكما يقال: «خير الأمور أوسطها»، وقضية قيادة المرأة السيارة هي الأكثر حيوية، والكل يفتي فيها.
قبل فترة ليست بعيدة، تقدمت ثلاث سيدات فاضلات، بصفتهن عضوات في مجلس الشورى، بتوصية لحل مشكلة بنات جلدتهن، وتمكينهن من قيادة السيارة في ظل معاناة المرأة، وما تواجهه من مشكلات عدة، فرُفضت تلك التوصية، وبدأت الناشطات في السعودية بتحديد مواعيد عدة للقيادة. وقبل تلك المواعيد وبعدها قُذفن في أخلاقهن ووطنيتهن، واتهمن من البعض بالتآمر على بلادهن، حتى إن أحد زملائهن في المجلس – إبراهيم أبو عباة – ردّ عليهن برد وافق هوى المسؤولين في المجلس، ودعاهم إلى كسر تقاليد «الشورى»، وتبني رأيه وتوزيعه على الصحافيين، باعتبار الأمر يشكل تهديداً على السلم الأهلي والأمن الوطني. وضعت علامات تعجب، إذ كيف لعضو شورى أن يفكر في نفسه ودائرته، ويتناسى هموم المعلمات والمطلقات والأرامل اللاتي يعانين من السائقين ومزاجيتهم ومشكلاتهم وتحرشهم في ظل عدم وجود وسائل نقل مكتملة، ثم يقول مثل هذا الكلام القافز على حقيقة التوصية عبر تضخيم حجم العبارات وتسويرها بـ«المؤامرة»، وكل هذا التضخيم لأن زميلاته قدمّن التوصية في الهواء الطلق، وبشكل رسمي، وبأسمائهن الصريحة تحت قبة مجلس «الشورى السعودي»، لا في «الكونغرس الأميركي»؟
بعض «الجهابذة» ومن على شاكلتهم ما زال لا يتورع عن الولوغ في قذف واتهام الشورويات والمؤيدات والقائمات على الحملة بالتورط في مؤامرات خارجية ضد البلاد، بل وصل ببعضهم إلى التدليل بأحد مواعيد «حملة قيادة المرأة» وتزامنها مع تاريخ ميلاد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وأن كلينتون التي غادرت منصبها في يناير 2013، وراء تلك المؤامرة «البغيضة»!
قيادة المرأة السيارة حق وليست ترفاً مثلما يروّج البعض، وقيادتها سيارتها بنفسها أفضل من خلوتها مع سائق، واسألوا النساء عن حجم المشكلات والمعاناة اليومية!
مطالبة النسوة بقيادة سياراتهن منفردات بعيداً من سيارات الأجرة والسائقين والتحرش بهن وببناتهن من خلال الاعتماد على أنفسهن حق أصيل، سيحصل عاجلاً أم آجلاً، والحكومة السعودية تدرك ذلك جيداً، وكانت على مدى عقود تجيب في مقابلاتها ولقاءاتها مع وسائل الإعلام بأن ذلك الحق «شأن اجتماعي»، والعاهل السعودي سبق أن قال للنساء بعد توليه مقاليد الحكم: «اصبرن.. وإن شاء الله تسوقن».
فقط، السؤال للمعارضين لهذا الحق، هل يعني أن جميع مسلمي العالم البالغ عددهم 1,3 بليون نسمة على خطأ ويمارسون الرذيلة، ونحن الوحيدون بين مسلمي هذا العالم على صواب ونمارس الفضيلة، ونسبتنا صغيرة جداً مقارنة بعدد سكان العالم الإسلامي؟
قبل الإجابة، تذكروا أن المسلمات يقدن السيارات في كل دول العالم الإسلامي ما عدا في السعودية (٥7 دولة) عضوة في منظمة التعاون الإسلامي ومقرها مكة المكرمة، تمثل البلاد العربية وأفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية والبلقان، إضافة إلى أعداد كبيرة من المسلمات في أوروبا وأميركا يقدن سياراتهن بأنفسهن ولم يتعرض لهن أحد، فالأولى ألا يتعرض لهن أحد في بلاد مسلمة فيها الحرمان المكي والنبوي، ويتجه إليها المسلمون في كل المعمورة 5 مرات في اليوم.
المصدر: الحياة