مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
تساءل أحد الكتاب على صفحته في تويتر: (ماذا لو مزقنا كل الصفحات الدموية السوداء من تاريخ العالم، وركزنا على الصفحات السعيدة المشرقة.. هل سيساهم ذلك في التخفيف من مشاعر الكراهية والعداء التاريخي بين الأمم؟). إنه سؤال البحث عن مخرج من مأزق الإنسان الأكبر، السؤال الذي طرح وبمقدار ملايين المرات وسيطرح دائماً، وهو دليل على أمرين، الأول: وعي الإنسان الثابت بأن الكراهية صفحة سوداء في تاريخه لم تؤسس لغير الدمار، وثانياً: الإيمان بأن السلام والخير هما الحل والمخرج رغم صعوبته.
فهل تمزيق الصفحات السوداء لتاريخ العداء والكراهية والحروب.. الخ، من الذاكرة الإنسانية حل منطقي ممكن التطبيق؟ هل يمكن للإنسانية اليوم أن تمحو جزءاً ضخماً من تاريخها المدون والشفاهي والمتوارث والمحفوظ في الكتب والمخطوطات والمتاحف والأعمال الدرامية واللوحات الخالدة والأساطير؟ على سبيل المثال: هل يمكن لسكان أمريكا الأصليين وسكان أستراليا أن ينسوا ما فعله الرجل الأبيض وهو يستولي على أراضيهم؟
علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والحضارات والسياسة يجزمون بأن التاريخ تأسس على منطق الغالب والمغلوب، وأن الحياة مستمرة بمبدأ التدافع والصراع، ولولا ذلك ما قامت حضارات وما تأسست أمم وإمبراطوريات، ولما اندفع الناس للتعمير والبناء والاختراع.. الخ، فالتنافس يولد الصراع والصراع يقود فيما بعد إما إلى هزيمة وإما انتصار!
المشكلة أو الحقيقة الأكيدة هي استحالة تجنب الصراعات، فالحياة مليئة بالمشكلات، فأنت تتصارع منذ كنت طفلاً على قطعة حلوى حتى تقدم بك العمر ولا زلت تتصارع مع زميلك على الوظيفة والدرجة. ومع رئيسك على الصلاحيات، ومع نفسك على خيارات الخير والشر، هذا على مستوى الإنسان الفرد، فلو تأملنا الوضع على مستوى الدول الكبرى والمنظمات وروابط المصالح الضخمة فسنعرف أن الصراعات يصعب تجنبها في الحياة؟
هل يمكننا تقنين الصراعات؟ أو أخلقتها أي جعلها أخلاقية؟ هل يمكن العمل بنصيحة بوذا: (الانتصار يجلب الكراهية، والهزيمة تجلب الألم، أما الحياة الهادئة السعيدة فتكمن في تخلي المرء فيها عن الانتصار والهزيمة معاً) ألا يعني ذلك موت الدافعية بترك الصراع، فهل هذا ممكن؟
المصدر: البيان