كاتب سعودي
قبل الحديث عن السنوات العشر القادمة 2013-2022، من الأهمية بمكانٍ استعراضُ خلاصة أهم ما حدث خلال السنوات العشر الأخيرة 2003-2012م. سجّل الاقتصاد الوطني معدل نمو حقيقي في المتوسط تجاوز 7 في المائة، وتمكّن الاقتصاد غير النفطي من تحقيق معدل نمو حقيقي في المتوسط أكبر منه بلغ نحو 8 في المائة. أمّا على مستوى الميزانية الحكومية، فقد ساهم تحسّن أسعار النفط خلال ذلك العقد بأكثر من 353 في المائة، من 24.3 دولار لبرميل النفط العربي الخفيف نهاية 2002م إلى نحو 110 دولارات نهاية 2012م، في إضفاء تحسّنٍ غير مسبوق على قدرة الميزانية، مكّنها من رفع إجمالي إيراداتها خلال العقد إلى 7.3 تريليون ريال (الإيرادات النفطية 89.2 في المائة، الإيرادات الأخرى 10.8 في المائة)، مقابل إجمالي مصروفات بلغت أكثر من 5.2 تريليون ريال (المصروفات الجارية 73.7 في المائة، المصروفات الرأسمالية 26.3 في المائة)، وعزز من مقدرة الحكومة نحو خفض حجم مديونيتها خلال العقد، من 685.2 مليار ريال (97.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) إلى 98.9 مليار ريال بنهاية 2012م (3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وأدّى التحسّن في مستويات أسعار النفط إلى إضافة نحو 2.1 تريليون ريال إلى رصيد الاحتياطيات الحكومية.
على مستوى مخرجات التعليم (العالي، الفني)، تجاوز إجمالي الخريجين خلال الفترة 1.3 مليون خريج وخريجة، وبإضافة المتسربين من التعليم العام للفترة نفسها فإن العدد يرتفع لأكثر من 2.1 مليون نسمة، تمكنت سوق العمل المحلية بكافة نشاطاتها من توظيف نحو 649 ألف عامل (نحو 31 في المائة فقط من إجمالي الخريجين والمتسربين)، فيما تبقّى خارج أسوار السوق نحو 1.5 مليون عاطل، وهو العدد المقارب لأعداد العاطلين عن العمل في الوقت الراهن! في المقابل وظّفتْ السوق من الخارج خلال الفترة نفسها نحو 3.2 مليون مقيم، أي بمعدل توظيف 5 مقيمين مقابل توظيف مواطن واحد! وخلال تلك الفترة أصدرتْ وزارة العمل 14.91 مليون تأشيرة استقدام (9.71 مليون تأشيرة للقطاع الخاص، 4.62 مليون تأشيرة عمالة منزلية، 0.6 مليون تأشيرة لجهات حكومية)، ووصل إجمالي تحويلات العمالة الوافدة للخارج للفترة إلى نحو 783.3 مليار ريال.
خلال تلك الفترة تضخمتْ القيمة الرأسمالية لسوق المال من 281 مليار ريال بنهاية 2002م، إلى أن وصلت ذروتها مطلع 2006م عند 3.1 تريليون ريال، واستمرّتْ في انهياراتها حتى الوقت الراهن. وارتفعت معدلات التضخم طوال النصف الثاني من الفترة بصورةٍ عجزتْ أمامها السلطات النقدية نظير ارتباطها بسياسات الدولار الأمريكي، كانت سوق العقار والإسكان من أكثر الأسواق محلياً التي تعرّضتْ للتضخم الهائل، وتركتْ تلك التطورات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره هنا. أقول تركتْ الكثير من التداعيات المريرة على حياة أغلب الأفراد من محدودي الدخل، عدا الآثار المؤلمة لارتفاع معدلات البطالة بين الشباب بمعدلات فاقت 40 في المائة، والانخفاض في متوسطات الأجور الشهرية، إضافةً إلى الصعوبات المعيشية المتصاعدة على عددٍ من الشرائح الاجتماعية ذات الوزن النسبي الكبير في المجتمع، كالمتقاعدين وأُسرهم، والمطلقات والأرامل ومن يعولونهن من الأطفال.
إنْ وجدنا إنجازاً تحقق على مختلف الجوانب الاقتصادية والمالية للاقتصاد والحكومة، وهو ما بدا واضحاً من نتائج الإحصاءات أعلاه، فإننا في المقابل على المستوى الاجتماعي والتنموي، لم نجد ما يوازيه أو يعكسه ولو بأكثر من العُشر! وهذا أمرٌ أصبح مفهوماً بنسبة كبيرة لدينا، فهو نتيجةٌ حتمية لحالة الانفصال الموجودة بين السياسات الاقتصادية كما سبق وأشرتُ إليه في مقالي يوم الإثنين الماضي “ردْم فجوة السياسات” المنشور هنا في “الاقتصادية”. وقبل أنْ أستعرض بعض التوقعات الخاصّة بفترة السنوات العشر القادمة 2013-2022م، أرى من الضرورة الإشارة إلى نقاطٍ بالغة الأهمية، ألخّصها في أن الأجهزة الحكومية المعنيّة؛ كما أنّها مكلّفة بتحمّل أعباء ومسؤوليات المرحلة القادمة، فإنّها أيضاً على القدر نفسه من المسؤولية مكلّفة بتحمّل أعباء ما تأخّر تنفيذه، وما ترتّب عليه من أضرارٍ وآثارٍ سلبية، وأن تأخذ بعين الاعتبار أنّها المحاسبة بالدرجة الأولى على أيٍّ من تلك التطورات.
ستحمل المرحلة القادمة 2013-2022م حجماً أكبر بكثير مما شهده العقد الماضي، سواء على مستوى الإمكانات المادية، أو على مستوى التحديات الجسيمة والأزمات المتعاقبة. فعلى مستوى الميزانية الحكومية يُتوقع تحت تذبذبات أسعار النفط، ووفقاً للمتغيرات الراهنة وقياس اتجاهاتها المستقبلية (باستثناء أن يطرأ تغير جذري على إحداها، أو أن تستجد أمور عالمية تقلب طاولة الاقتصاد العالمي وليس مجرد النفط)، يتوقع أن يصل إجمالي الإيرادات الحكومية لتلك الفترة القادمة إلى نحو 11.1 تريليون ريال، أي بزيادة 52 في المائة عن الفترة المماثلة السابقة، وأن يرتفع إجمالي المصروفات الحكومية للفترة نفسها إلى نحو 11.15 تريليون ريال، بزيادة تناهز 114 في المائة، وبما سيُسفر عن نشوء عجز تراكمي في الميزانية خلال الفترة لن يتجاوز 60 مليار ريال، يُتوقع أن يتم تمويله من الفوائض والاحتياطيات المتراكمة مسبقاً لدى الحكومة.
أمّا على مستوى معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد، فوفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي التي تأخذ بعين الاعتبار نظرة أوسع على الاقتصاد العالمي، يُتوقع أن يصل متوسط معدل النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي خلال الفترة القادمة لنحو 4.8 في المائة، وبالطبع هو أقل من المعدل نفسه المتحقق للفترة السابقة,
بالنسبة لمخرجات التعليم العالي والفني، فيُتوقع أن يصل عددهم خلال الفترة القادمة لنحو 2.6 مليون خريج وخريجة، وبإضافة المتسربين من التعليم العام المقدّر انخفاضهم يصبح إجمالي المنتظرين على أبواب سوق العمل نحو 3.1 مليون طالب عمل! بمعنى أن على الاقتصاد الوطني استحداث وخلق أكثر من 250 إلى 300 ألف وظيفة سنوياً، مع أهمية الاستفادة من فرص إحلال المواطنين. وكذلك الحال بالقدر نفسه من الأهمية؛ تقف الأجهزة الاقتصادية والمالية الحكومية المعنية أمام أزمات وتحديات قضايا الإسكان، التضخم، الفقر، المتقاعدين وأُسرهم، المطلقات والأرامل، إضافةً إلى استمرار العمل على استكمال وإنجاز المتأخّر من مشروعات البنى التحتية من طرق بين المدن وداخل تلك المدن، والتنمية التعليمية والرعاية الصحية، وتوسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد بفاتورةٍ إجمالية تناهز 3.7 تريليون ريال للفترة 2013-2022م. وأكمل الحديث في المقال القادم.
المصدر: الإقتصادية