مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
ما بعد الاستقالة أو ما بعد التقاعد، فإنني أريد من كلتا الإشارتين أو العبارتين، أن تقوداني للحديث بشيء من التأمل العميق والتفهم الحقيقي لحياة موظف ما بعد خروجه من عمله بشكل نهائي.
للارتباك الذي سيغدو عليه الوقت وهو يمرره رغماً عنه، وخاصة حين لا يملك بديلاً، لمشاعره ومجموعة الضغوط والأحزان الصغيرة وانثيال التذكارات، ولحظات الأسى على ذكريات ستهاجمه بلا شك.
للشعور بالوحدة في ساعات الصباح الباكر التي اعتاد فيها أن ينهض في التوقيت ذاته مسرعاً إلى المطبخ ليعد لنفسه فنجان قهوة أو إلى المكواة ليسوي ثياباً نسي تجهيزها قبل أن ينام، لحقيبته التي سيكدس فيها جهاز حاسوبه المحمول وأوراقه وهاتفه و… لتلك الخطوات المبعثرة المترددة والهائجة في كل اتجاه، ولأنفاسه المتلاحقة التي تشبه الماء في أول غليانه في إناء إعداد القهوة، متلهفاً على فنجان القهوة ومرتعباً من التأخير، من دون أن يعلم على وجه الدقة ما العاجل الذي لا ينتظر والذي سيقوم به هناك بمجرد وصوله؟ ولكنه يفضل أن يسرع، أما القهوة فليطلبها في مكتبه!
سنوات وهو يعيش الصباحات بهذه الكيفية، أما اليوم فلا يحتاج لأن ينهض من الأساس، ولا أن يسرع أو يحسب الوقت كساعة سويسرية، فالوقت كثير جداً ككثبان رمال في الصحراء الكبرى، وهو لا مكان له إلى حيث كان يسرع كل صباح فيما قبل الاستقالة أو التقاعد!
أتفهم تماماً من موقعي وتجربتي، شعور هؤلاء الذين يتركون وظائفهم لأي سبب، وطأة الأيام الأولى لما بعد التقاعد أو الخروج من العمل، أو البقاء في المنزل بلا جدول عمل، مواعيد، مهمات صغيرة ستملأ بها النهار، اجتماع الرفاق، جلسات الأصحاب في مقهى المؤسسة، فناجين القهوة الكثيرة، وقفات المدخنين عند البوابة الرئيسية، مرور المدير، رسالة الترقية، حفلات التكريم، أيام الإجازات، و… أما اليوم فلا شيء من هذا كله! لا شيء سوى أيام تسحب بعضها حتى تنتبه وتنقذ نفسك من مشنقة الوقت الصعب!
المصدر: البيان