مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
عبر بريدي الإلكتروني ترسل لي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما يشبه النشرة الدورية حول أوضاع اللاجئين، حكايات لا تكتبها الصحافة ولا توثقها الصور، لا لأنها غير عابرة أو لا تستحق التوقف، ولكن لأنها حكايات عميقة كبئر لا تقوى الصورة والخبر الطارئ على الإحاطة بها، إنها تفاصيل كثيفة، مؤلمة، ولا تخطر بالبال، مع أنها أول ما يجب أن يخطر ببالنا، لكننا اعتدنا على التعامل مع المآسي كصورة سريعة وخبر مكون من سطرين، والسطران عادة لا يمكنهما أن يقولا شيئاً ذا قيمة!
إن هذا التعامل السطحي أو التعاطفي المؤقت مع أوضاع وكوارث اللاجئين يعود إلى نمطية النقل الإعلامي أولاً، وإلى رغبة الناس في المرور السريع عليها لأنهم لا يريدون التورط عاطفياً معها، هذا ما يمكن أن نسميه التغافل الانتقائي أو التجاهل الاختياري، واقعياً فإن تجاهلك للكارثة لا يلغيها ولا يخفيها ولا يحلها، أنت الذي تختفي من المشهد أو من مكان الحادث أو من منطقة المواجهة، بحثاً عن الشعور بالطمأنينة لا أكثر، وهذا ما يفعله كثيرون حين يختارون ألا يواجهوا مشاكلهم أو أن يهربوا منها، ذلك يمنحهم قناعة (ليس بالإمكان أفضل مما كان) وبأنهم قدموا ما أمكنهم تقديمه، أراحوا ضمائرهم وانصرفوا!
في نشرة هذا الأسبوع حكاية العروس الشابة وسام التي لا تذكر الكثير عن الانفجار الذي حملها من فوق منزلها في إحدى مناطق سوريا ليلقي بها بعيداً، تقول بأنها شعرت بروحها وكأنها تنسحب من جسدها شيئاً فشيئاً، فاستسلمت للموت، ربما طاف بمخيلتها عريسها الذي كانت ستزف إليه، زغاريد والدتها وأخواتها وعيون إخوتها وصديقاتها، قبضت على صورهم جميعاً بين عينيها، أغمضتهما وراحت في سباتها الطويل في ذلك اليوم المظلم من شهر يناير!
حين استفاقت كانت وسام على موعد مع المواجهة، مواجهة واقع جديد، مختلف كلياً، واقع ليس فيه بيت ولا حارة ولا صاحبات ولا عريس ربما، واقع صعب يتطلب منها أن تعتاد ملازمة الكرسي المتحرك بعد أن قال الأطباء في معسكر اللجوء الذي نقلت إليه، إنها أصيبت بكسر في عمودها الفقري أدى إلى إصابتها بشلل نصفي!
الرحلة إلى الأردن لتلقّي العلاج كانت مأساة، فمع كل خطوة كان الألم يقصم ظهرها أكثر ويقضم شيئاً من روحها، وكان عليها أن تواجه ذلك لتتلقى المساعدة اللازمة ممتلئة بالأمل علّها تستطيع المشي ذات يوم.
مثل وسام هناك آلاف البشر والحكايات الأصعب، أما نحن فنحاول أن نمد أيدينا علّها تصل، لكننا حتماً لا نرى سوى رأس الجبل، أما تحت المحيط فهناك ما لا يمكن الإحاطة به!
المصدر: البيان