كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
يقول لي صاحبي، أستاذ جامعتي: وبعد هذا السرد الجارف عن تجربتك الطارئة القصيرة في “غزوة اليابان” ما الذي يمكن لك أن تكتبه عن النقيض؟ ما هو الجانب المضيء الجميل الذي تراه في وطنك وبلدك ولم تره أو تشاهده في اليابان؟ قلت له فوراً وبلا تردد.. هما جملتان. الأولى سؤال الحياة لقيمة الإنسان، والآخر، يكمن في الفرصة المشرعة حينما تتوافر لدى الفرد رغبة التغيير وحوافز الطموح. وجواباً عن السؤال سأقول بكل صراحة ووضوح إن حياة الفرد الياباني وطبيعة السباق التنافسي قد حولت هذا الفرد إلى آلة صماء، وهو فيها ليس إلا مسماراً في قلب هذه الآلة. ولكم جميعاً من الخيال أن طوكيو تتصدر مدن الدنيا في حالات الانتحار تبعاً لشعور الفرد بالضياع إذا لم يستطع مقاومة طبيعة التنافسية والمنافسة. الياباني فرد مكبل بالقوانين وضغوط العمل ولهذا لم أجد باليابان أي مظهر للاحتفاء بالحياة ولا شيء من بهجة الحياة الاجتماعية. لم أشاهد في طوكيو، مثلاً، فكرة “المقهى” وصخب الحياة الليلية بعيد الساعة السادسة. أشعر مع المقارنة أن وطني مفعم بالبهجة للإنسان، وأنه أيضاً يعطيه مساحة هائلة من الحرية.
وفي جواب الجملة الثانية، أشعر أنه ما زال في وطني مزيد من الفرص وسلالم النجاح لمن أراد بناء حياة كريمة بشرط الإصرار والطموح. شعرت بالحزن الشديد وأنا أناقش أستاذا بجامعة “واسيدا” على طاولة عشاء رسمية وهو يتحدث عن الطبيعة التنافسية لمستقبل ولديه. شعرت بالمقاربة أنه ما زالت لدينا ملايين الفرص الهائلة في اقتصاد صاعد قوي. وهنا فأنا لا أكتب من باب المباهاة إن قلت إن أسرتي الصغيرة، ومن صلب جذر اسم جدي بعاليه قضاة ولواء أركان وثلاثة أساتذة جامعة وسبعة عشر طبيباً وطبيبة بفضل شواغر الفرص المشرعة، التي ما زالت مفتوحة في وطني للبقية من مئة رجل ومئة امرأة من ذات الجذر والاسم، وكل هذا مرهون بالأمل والطموح والإصرار على قبض الفرصة. وخذ لتقريب المثال أن أستاذ الجامعة الياباني كان يشرح لي كيف يحتاج الياباني في المعدل إلى خمسين ورقة في ملف السيرة الذاتية كي يقنع الآخرين بدخول سباق التنافسية. أدركت لحظتها أن وطني هو “بلاد الملايين من الفرص المشرعة”: وطن للحياة والبهجة مع الأمل والإصرار والطموح..!!
المصدر: الوطن أون لاين