كاتب إماراتي
بعد انخفاض أسعار النفط وما ترتب عليه من إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، ازداد الاهتمام بمنح القطاع الخاص الخليجي دوراً متنامياً في التنمية، خصوصاً وأنه يملك قدرات مالية كبيرة، كما أن الدولة توفر له بنية تحتية وخدمات راقية لتطوير نشاطاته المختلفة. الحقيقة أن دور القطاع الخاص في الدول الخليجية الست متفاوت إلى حد بعيد اقتصادياً واجتماعياً، مما يتطلب تبادل التجارب والخبرات لزيادة فعالية دوره التنموي، ففي دولة الإمارات على سبيل المثال أطلق بعض رجال الأعمال مبادرة رائدة ذات أبعاد مستقبلية واعدة من خلال تأسيسهم لصندوق تنموي سمي بـ«صندوق الوطن» يهدف إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص وتطوير مساهمته في التنمية.
وتبدو هذه المبادرة فاتحة لعمل منسق للقطاع الخاص في الدولة، حيث تتفاوت القدرات المالية للمستثمرين، إلا أن وجود صندوق يتم من خلاله تراكم وتنسيق الأنشطة الاستثمارية يمكن أن تتمخض عنه قدرات ضخمة لتنفيذ مشاريع استثمارية وتقديم خدمات راقية لخدمة المجتمع، بما فيها بعض الخدمات الخاصة بالتعليم والصحة، كالمستشفيات المتخصصة في بعض الأمراض الشائعة.
من جانب آخر يملك القطاع الخاص السعودي تجربة غنية في تنمية المشاريع الصناعية، بحيث أضحت المنتجات الصناعية السعودية تغطي أسواقاً كبيرة، ليس في منطقة الشرق الأوسط، وإنما في العديد من الأسواق الدولية، كما قام القطاع الخاص الكويتي في العقدين الماضيين ببناء العديد من المرافق الصحية التخصصية، كمرض السكري والكلى والكبد التي أنقذت حياة المئات، بفضل ما تتمتع به من خدمات متقدمة، في حين يسعى القطاع الخاص في كل من البحرين وقطر وعُمان إلى تنمية قدراته الذاتية لتطوير أنشطته في بعض القطاعات التي تعتمد على التصدير بصورة أساسية، وذلك بحكم الحجم الصغير نسبياً لأسواق هذه البلدان.
بالطبع هناك قاسم مشترك يتمتع به القطاع الخاص الخليجي في دول المجلس كافة، وهو تقارب الرؤى لدى متخذي القرار وحجم الدعم والتشجيع الذي يقدمونه إلى المستثمرين، وكذلك وجود مؤسسات خليجية مشتركة تعمل على توحيد الأنظمة والتشريعات التي تتيح إمكانية تعاون القطاع الخاص الخليجي وربط مصالحة في ظل السوق الخليجية المشتركة، مما قد يشكل نقلة نوعية داعمة إذا سارت الأمور ضمن المساعي المرسومة من قبل هذه المؤسسات.
وعودة إلى مبادرة «صندوق الوطن» الإماراتي، والذي يتوقع أن يلعب دوراً تنموياً مهماً في السنوات القادمة، والذي استمد فكرته الأساسية من مبادرة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما دعا رجال الأعمال في لقاء تليفزيوني إلى المساهمة في تنمية وطنهم، وتقديم الدعم إلى أفراد المجتمع من خلال مشاريع تنموية وخيرية، علماً بأن مثل هذه المبادرة يمكن أن تعمم لتشمل أنشطة القطاع الخاص في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث يقوم رجال الأعمال بتأسيس صناديق مماثلة تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدانهم.
تبقى مسالة التنسيق بين هذه الصناديق في المستقبل، وهي مسألة في غاية الأهمية، فدول المجلس بحاجة إلى مشاريع كثيرة يفوق بعضها القدرات المالية لكل دولة منفردة، مما يعني ضرورة مشاركة أكثر من صندوق خليجي لتنفيذ هذه المشاريع، كما أنه من الأجدى أن تقام مرافق صحية وتعليمية ومراكز بحوث خليجية مشتركة تخدم دول المجلس كافة وتمتلك الإمكانات التي تؤهلها للبحث وتقديم خدمات بمستويات عالية بدلاً من مراكز صغيرة بإمكانات محدودة.
في هذه الحالة، فإن الإيجابيات ستطول، ليس فقط نوعية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس فحسب، وإنما الهيكلية الاقتصادية التي ستخدم التوجهات الخليجية الرامية إلى دور تنموي متزايد للقطاع الخاص، مع كل ما يعنيه ذلك من تنمية للقطاعات غير النفطية وتوفير فرص العمل والاستقرار والتنوع الاقتصادي.
المصدر: الإتحاد