بيئة العمل تصنع الفارق في أداء الموظف. الإنسان المبدع في بيئة بيروقراطية كئيبة، تقتل الإبداع ولا تسمح بالخروج عن النص البليد، لابد أن يتأثر سريعاً بتلك البيئة ويصبح جزءاً منها. الإبداع ليس فقط قدرات فردية. إنه أيضاً “بيئة” تشكل ما يشبه “الحاضنة” التي تهيئ السبل والإمكانات للفرد كي يمارس إبداعاته ويترجمها إلى منتج. ولذلك فإن من أخطر أشكال “إحباطات” المبدع أن نضعه في غير بيئته ونحاصره بكل عوائق التميز البيروقراطية. يخبرني مسؤول مهم في الرياض أنه، وبعد أن عجز عن خلق مناخ إبداعي في مؤسسته الحكومية، بسبب البيئة المقيدة وعدم القدرة –نظامياً– على القفز في قراراته على عقد بيروقراطية مترسخة في العمل الحكومي، صار يتردد في قبول القدرات الشابة المبدعة حينما تقدم على وظيفة في مؤسسته. قال إنه يوجهها لمؤسسات أخرى في القطاع الخاص وشبه الحكومي كي تجد بيئتها الملائمة للإبداع والتميز. الإنسان غالباً ابن بيئته. البيئة الخاملة لا تنجب أفراداً مبدعين، والمبدعون في بيئة تحارب الإبداع أو لا تشجعه يفقدون –مع الوقت– تميزهم وإبداعهم؛ ولهذا احترمت كثيراً ذلك المسؤول الذي يحيل المتقدمين الجدد لوظيفة في مؤسسته، من المتميزين جداً، إلى مؤسسات أخرى لديها بيئة أفضل لتنمية وتنفيذ أفكار خلاقة وخارجهة عن دائرة الروتين القاتلة. للأسف، في عالمنا العربي تنتشر المؤسسات الخانقة للتميز والإبداع. ويكثر المسؤولون الذين يحاربون الموظف المبدع إما جهلاً بأفكاره أو خوفاً من نتائجها أو غيرة من تميزه. تلك واحدة من أسباب تراجعنا علمياً وتنموياً. وإن لم نعط مبدعينا والمتميزين في مجتمعاتنا الاهتمام والرعاية فهل نكف عنهم أذانا ومضايقاتنا؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٧) صفحة (١٥) بتاريخ (٢٠-٠١-٢٠١٢)