كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
قبل زمن الإنترنت والفضائيات وانفتاح الإعلام، حاول الخطاب البعثي القومي “العروبي” الممانع في سورية في مرحلة السبعينات والثمانينات تكريس بعض المصطلحات الثقافية ليحول من حالته ملاذا ومصدرا أوحد لمثقفي البلد. لكن المثقفين الجادين لم يعتمدوا عليه في استقاء معلوماتهم، فاتجهوا إلى الصحف والمجلات الخليجية التي كانت تصل إليهم حاملة رؤى وأنشطة وإبداعات كـ”القبس” الكويتية و”الجزيرة” السعودية ومجلتي “العربي” والدوحة” ليكتشفوا أن من كانوا يظنونهم مجرد “مثقفي الطفرة” ليسوا إلا مثقفين حقيقيين يحملون الهم المعرفي والعصري والحداثي مثل نظرائهم في الدول العربية التي كانت تعتبر آنذاك دولا مصدرة للثقافة.. وأذكر أن جيلي في جامعة حلب خلال الثمانينات كان يحرص على اقتناء صحيفة “الجزيرة” لما فيها من زخم وجدل وكتابات جادة وأسماء صاعدة واعية لم تكن مشهورة آنذاك مثل شهرة الأسماء الحداثية في سورية ومصر، لكنها استمرت وصار عدد من أصحابها اليوم يحتلون مواقع الصدارة في المشهد الثقافي والإعلامي والفكري على المستوى الخليجي ولا أبالغ لو قلت: والعربي أيضا.
مشكلة خطاب “البعث” أنه بعد سنوات القمع كان يظن أنه قادر على تسييس العقول بـ”ممانعته” ولعله استطاع أن يفعل ذلك مع الكثير، لكنه لم يسيطر على الجميع، فكان البعض ضد مساراته، ولو أضفنا إليهم من تأثروا بالنزعة العروبية القومية من غير أن ينخدعوا بادعاءات الممانعة لوجدنا أنفسنا أمام أكثر من تيار، يجمعها تقريبا قاسم مشترك يمكن اختصاره بمصطلح “العروبية”، وهو مصطلح له ما له وعليه ما عليه. ففكرة النزعة “العروبية” جيدة إن خرجت عن تكريس “نحن” على حساب الآخر غير العربي الموجود في الدول العربية.. وجيدة إن تماشت مع مشروع التضامن العربي بشموليته. لكنها إن تصادمت مع الإقليمية أو الانتماء الأصغر كانت تنهزم دائما، ما يعني أن الخطاب القومي أخفق في تثبيت “العروبة” مرتكزا له.. وأخفق أيضا في إقناع المجموع بأنه حقق تنمية واشتراكية وحرية لا مثيل لها، فالكثير من المثقفين الذي خرجوا للعمل في دول الخليج العربي اكتشفوا الفارق الهائل في التنمية التي يدعيها خطاب “البعث”، والتنمية الحقيقية في دول الخليج التي تنجز حاليا في العام الواحد ما لم يستطع نظام البعث إنجازه طوال أربعين عاما.
تلك الحالة الكارثية التي وطد “البعث” دعاماتها بالقمع والقهر انقلبت عليه بعد سنوات طويلة من الضغط النفسي والمعيشي ما أدى إلى الانفجار الثوري، فهب الشعب كله يبحث عن “حرية” كم تشدق بها النظام في خطاباته، لكنها حين صارت مطلبا حقيقيا، أُسقط في يد النظام، ليناقض شعاراته و”ممانعته، ليكتب وهو يقتل ويدمر مراحل نهايته بيده.
المصدر: الوطن اون لاين