في واحدة من عراقيل كثيرة أمام الموافقة الأميركية على اتفاق الأسلحة النووية مع إيران، طلب عدد من قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس من الرئيس باراك أوباما تأجيل التصويت على الاتفاق في مجلس الأمن، الذي يتوقع أن يجرى بعد غد الاثنين.
وجاء الطلب في عدة خطابات مشتركة بعث بها قادة الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب، منها خطاب مشترك وقع عليه السناتور بوب كروكر (جمهوري، ولاية تنيسي) ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والسناتور بنجامين كاردين (ديمقراطي، ولاية ماريلاند). وجاء في الخطاب: «يتطلب الأمر إرجاء نظر الأمم المتحدة في هذا الاتفاق حتى يتمكن الكونغرس من النظر فيه، ويقيمه، ويصوت عليه».
وقال السناتور كروكر، بعد خروجه من اجتماع مع نائب الرئيس جو بايدن عن إيران، إن «خطة تصويت الأمم المتحدة على الاتفاق قبل أن ينظر الكونغرس فيه هي (إهانة للشعب الأميركي)». لكن، صباح أمس، قال تلفزيون «سي إن إن» إن مسؤولين في إدارة أوباما رفضوا مخاوف أسبقية الأمم المتحدة على الكونغرس. وقالوا إن تنفيذ القرار لن يبدأ قبل 90 يوما من موافقة مجلس الأمن عليه. وأضاف المسؤولون أن الإدارة رتبت التطورات لضمان أن الكونغرس سيكون لديه ما يكفي من الوقت لإصدار الحكم على الاتفاق. وقال تلفزيون «سي إن إن» إن الوفد الأميركي في الأمم المتحدة وزع فعلا مسودة قرار على أعضاء مجلس الأمن. وأشار إلى ما جاء في الاتفاق عن أهمية تقديمه «فورا» إلى مجلس الأمن، وعن أهمية التصويت عليه «دون تأخير». ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» على لسان ويندي شيرمان، رئيسة وفد المفاوضات مع إيران قولها: «كان صعبا بعض الشيء، عندما اتفقت جميع الدول (5+1) على الرغبة في الذهاب إلى الأمم المتحدة، والحصول على موافقة سريعة، أن نقول للعالم: (يجب عليكم الانتظار حتى يوافق كونغرس الولايات المتحدة)».
وأضافت «منحنا، نحن الوفد الأميركي، الكونغرس فترة كافية لدراسة الاتفاق قبل أن يصبح ساري المفعول». ويوم الأربعاء الماضي، جاءت إلى واشنطن سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، لإجراء اتصالات مع البيت الأبيض والخارجية، وسط أخبار بأن الرئيس باراك أوباما يستعجل مجلس الأمن للموافقة على الاتفاق النووي مع إيران، وذلك لوضع الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، في وضع حرج.
وكان أوباما، حذر الكونغرس في خطابه للشعب الأميركي، يوم الثلاثاء، بأنه سيستعمل الفيتو إذا عارض الكونغرس الاتفاق. وكان استعمل، أكثر من مرة، كلمتي «الحلفاء الغربيين»، مما يدل على أنه يتعمد أن ينبه الكونغرس بأن دولا غربية مهمة، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، تؤيد الاتفاق. وفي مقابلة، مع صحيفة «نيويورك تايمز»، نوه أوباما بهرولة الدول إلى إيران لعقد صفقات تجارية واقتصادية. ويبدو أن أوباما تعمد أن يقول ذلك لتنبيه الكونغرس بأن الشركات الأميركية ستضيع فرصا كثيرة إذا لم تنضم الولايات المتحدة إلى الدول المؤيدة للاتفاق. يوم الأربعاء، أصدرت باور بيانا قالت فيه: «سترفع الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة. سيكون ذلك باسم مجموعة دول الـ(5+1+1)، (الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي). وأضافت: «سيجيز مشروع القرار، عندما يصبح قرارا، الاتفاق النووي مع إيران. وسينص على إجراءات مهمة، منها الاستبدال بالآلية الحالية للعقوبات آلية أكثر تشددا أجيزت في فينا».
من جهته، قال دبلوماسي أميركي إن من المقرر أن يصوت مجلس الأمن الدولي الاثنين على قرار بتأييد الاتفاق النووي الذي يضع قيودا طويلة الأجل على البرنامج النووي الإيراني، لكنه يبقي على حظر للسلاح وحظر على توريد تكنولوجيا الصواريخ البالستية. وقال الدبلوماسي إن التصويت سيجرى الساعة التاسعة صباحا بتوقيت شرق الولايات المتحدة (13.00 بتوقيت غرينيتش) يوم الاثنين. وستلغى طبقا لمسودة القرار سبعة قرارات سابقة للأمم المتحدة بشأن إيران عندما تقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا للمجلس بتأكيد التزام إيران بإجراءات معينة. ونوقشت صيغة القرار في إطار الاتفاقية التي تم التوصل إليها يوم الثلاثاء الماضي في فيينا بين طهران وكل من الاتحاد الأوروبي، وألمانيا، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي: الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. وتشمل مسودة القرار آلية لإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة تلقائيا في حال انتهاك إيران الاتفاقية.
وستشكل الدول الست الكبرى وإيران والاتحاد الأوروبي، وفقا لاتفاقية فيينا، لجنة مشتركة للتعامل مع أي شكاوى من حدوث انتهاكات. وفي حال عدم رضاء الدولة الشاكية عن كيفية معالجة اللجنة لبواعث قلقها فيمكنها أن ترفع الأمر إلى مجلس الأمن. وفي هذه الحالة يتعين على مجلس الأمن أن يطرح قرارا بتمديد فترة إعفاء إيران من العقوبات للتصويت. وإذا لم يتم تبني القرار في غضون 30 يوما من تلقي المجلس الشكوى فستفرض العقوبات التي اشتملت عليها جميع قرارات الأمم المتحدة السابقة إلا إذا قرر المجلس خلاف ذلك. وإذا أعيد فرض العقوبات السابقة، فإنها لن تطبق بأثر رجعي، ومن ثم لن تشمل العقود التي وقعتها إيران خلال فترة الإعفاء من العقوبات. وفي حال الالتزام بالاتفاق النووي، فإن جميع البنود والإجراءات الواردة في قرارات الأمم المتحدة ستنتهي في غضون عشر سنوات. غير أن القوى الست الكبرى، والاتحاد الأوروبي، أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي في رسالة بأنهم تعتزم السعي بعد انقضاء السنوات العشر لتمديد العمل بهذه الآلية لخمس سنوات.
وفي ردود الفعل الأميركية، قالت هيلاري كلينتون التي تسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة، إن منتقدي الاتفاق النووي مع إيران لديهم «حجج تحترم». وقالت كلينتون في اجتماع بمبنى مجلس بلدية دوفر بولاية نيوهامبشاير: «هناك أناس في الجانب الآخر أكن لهم كل الاحترام قالوا بوضوح تام إنه لا يمكن أن أؤيد هذا الاتفاق وأعتقد أنه خطأ. إنهم يعتقدون أن الإيرانيين سيغشون». وأضافت: «أعتقد أن هذه آراء جديرة بالاحترام. غير أنني أعتقد أن من المهم أن نسأل: ما البدائل المتاحة لدينا؟». وتساءلت: «هل أثق في الإيرانيين؟».. وردت على السؤال بالقول: «لا على الإطلاق». ومضت قائلة: «يحدوني الأمل في أن نمضي قدما في هذا الاتفاق متحلين باليقظة الشديدة، لأنني أعتقد أنه يعطينا فرصة للتصدي للتهديدات الأخرى الخطيرة التي تمثلها إيران».
المصدر: واشنطن: محمد علي صالح – الشرق الأوسط