كاتب و روائي سعودي
زادت نسبة ضخ الكراهية بين المجتمعات الإسلامية من خلال تغذية الفوارق المذهبية في محاولة لتغييب مفاهيم التعايش المجتمعي للمحيط الجغرافي الواحد مع تغيب تنوعاته واحتياجاته التي يرغب أصحابه تحقيقها في ظل القانون المساوي بين أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات، بناء على المواطنة، وليس بناء على المذهبية أو العرقية أو الانتماءات الفكرية، ولهذا اتسعت الفرقة، كون الفرقاء يتجاذبون الأفراد ويجيشونهم لتحقيق هدف المذهب أو الفئة أو الجماعة.وفي ظل غمة هذه الكراهية، غدا كل رأي مستنير ينبذ المذهبية أو الطائفية أو الانتماءات الضيقة رأيا محاربا يتم تشويه صاحبه تشويها مزريا، فلا يلتفت إلى ما يقول، وهي السياسة التي اتبعها مثيرو الكراهية لكي يغلقوا الأبواب على الآراء المستنيرة، من خلال تحريض أنصارهم بالكف عن متابعة كتابات أو مقولات أو آراء فلان أو علان، وفي هذه التوصية تم حجب أنصارهم من الاطلاع والتفقه بما هو حادث، وليس بما هو محفوظ في ذهنية الأتباع من إيمان جازم بأن المخالف لهم هو الأوجب بالمحاربة والقطيعة. وفي موجات الكراهية هذه كان الدين وسيلة الجذب، فكل فئة تستخدم آيات القرآن والأحاديث النبوية بما يعزز وجودها ويظهر الآخر بأنه الضال المظل، ومع مرور الزمن وتكشف الأهداف السياسية لكل فئة، وما كان يحمله أصحابها من تجاوزات أو أخطاء يقوم الطرف المناوئ والمخالف بتضخيم تلك الأخطاء وإظهارها للآخرين أنها منتمية للدين، وهنا يظهر المأزق الكبير الذي وضعنا فيه أولئك المتأسلمون، إذ تلحق كل الأخطاء التي ارتكبوها بالدين ولا تنسب لأصحابها مع عدم الحرص على تبرئة الدين مما فعل أولئك المنتمون له وقلة قليلة تميز ذلك الافتراق الحاد ما بين فعل المتمذهبين وما بين ما أوجبه الدين، ومن هنا ينشأ الخلط عند العامة وتلصق كل تلك الأخطاء بالدين (وفق المذهبية، وليس وفق ما قاله الله وقاله رسوله الكريم)، ولهذا نلحظ نشوء أفكار أخذت تبتعد عن الدين ناسبة إليه كل الأخطاء التي أفرزها التمذهب، وفي أحيان التفسيرات المؤولة للآيات والأحاديث. ونحن الآن نحصد ثمار ذلك التجييش المذهبي والتأويلي بأن غدا الكره في مقدمة مشاعرنا والمتحدث الرسمي عن اختلافاتنا، وفي هذا الجو الملوث علينا أن نعيد بناء الفرد وفق قاعدة التعايش المجتمعي وقبول التنوع والدعوة لسبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة من غير تشنج أو ادعاء امتلاك الحقيقة، فصلاح الفرد هو صلاح الجماعة، ومتى وجد الفرد القابل بكل التنوعات استطاع المجتمع أن يبني وينتج مع وجود الاختلافات المحيطة به، إذ أن التعايش يقوم على الرضا وقبول الآخر في المحيط الواحد. وقد أوصانا الله ــ عز وجل ــ وأوصى الأمم من قبلنا بإقامة الدين من غير فرقة أو احتراب أو نبذ يقول الله ــ عز وجل: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب). ولو تفقهنا في هذه الآية تفقها واعيا لما حدثت كل الويلات الحادثة الآن.
المصدر: عكاظ