كاتب وإعلامي سعودي
الطائف عاصمة المصايف في بلادنا، والتي تتمتع بمزايا طبيعية للرقي بالسياحة الداخلية، إذ تجذب السياح من داخل المملكة وخارجها وبخاصة من دول الخليج، يمكن أن تأخذ نصيبها من السياح، ولكن هناك وللأسف فئات تقف في وجه ذلك بادعاء خصوصية موجودة فقط في أذهانهم وتحاول وتعمل على فرض رؤاها، وأن الآخرين خارجون على القيم الدينية. وتمثل ذلك في الخطوة التي قام بها بعض المحتسبين قبل أيام بإزالتهم لشاشات تلفزيونية نصبتها أمانة الطائف في بعض الحدائق العامة لإتاحة الفرصة للسكان والسياح لمتابعة مباريات كأس العالم، ولكن هذه الخطوة البريئة لم تعجب البعض وقاموا بالتعدي عليها وإزالتها في وقت كانت تقام فيه إحدى المباريات. حجتهم في ما أقدموا عليه وكالعادة هي أن تلك الحدائق وبعد تجمع الأهالي مع أطفالهم وأبنائهم أصبحت أماكن للاختلاط بين الشبان والفتيات.
إنها أسطوانة مكررة، للأسف في كل خطوة تحاول بعض الجهات الرسمية القيام بمشاريع ترتقي بالإنسان في جميع المجالات نجد هذا الهجوم من هؤلاء المحتسبين، فكلنا يذكر زياراتهم المكوكية لوزارة العمل عندما بدأت الوزارة برنامج عمل المرأة في محال المستلزمات النسائية، وغيرها كثير. الغريب أن بعض شبان الطائف الذين كانوا يتابعون تلك المباراة عبروا عن أسفهم واستغرابهم من هذا السلوك، ونفوا أن يكون هناك أصلاً فتيات يتابعن المباريات في حديقة العنود. وأنا أضيف حتي لو كان هناك فتيات مع ذويهن فما المشكلة في ذلك، فمذ عرفنا مدننا وقرانا قبل الغزو الفكري الصحوي كانت تعج بالنساء والرجال كما كل مجتمعات العالم، فهناك أسواق مخصصة للنساء ومن يقوم بالبيع والتجارة فيها من النساء، وتلك الأسواق كانت مفتوحة ومتاحة للرجال. بعد فترة ما يطلق عليه الصحوة تغيرت حالنا وأصبحنا نعيش في مجتمعين رجالي ونسائي، وهو ليس خيارنا بل تفرضه مجموعة قليلة ولكن صوتها مرتفع وتنفذ بالقوة أحياناً ما تعتقد أنه حرام أو مكروه.
ولكن الغريب في حال محتسبي الطائف وشاشات كأس العالم الصمت من الجهات الرسمية التي نظمت تلك الفعالية، فهي لم تعلق على ما جرى، فإلى متى يصيب بعض مسئولينا الضعف عندما يعترض عليه البعض ويرفعون شعارات دينية. قد أفهم أن تلغى بعض الفعاليات في حال اعتراض الأهالي وتعبيرهم عن رفضها، ولكن في هذه الحال العكس هو ما حدث، فالمواطنون ومن كانوا يتمتعون بمتابعة كأس العالم في حدائق الطائف أثنوا على هذه الخطوة ورحبوا بها.
القضية في اعتقادي أن الحريات الشخصية يجب أن تحترم، وأن تقف الجهات التنفيذية ضد من يحاول انتهاكها بحجة المخالفات الشرعية أو ما يردد من خصوصية فريدة نتمتع بها عن كل شعوب الأرض، أمانة الطائف لا يكفي أن تنفذ الفكرة إذا كانت جادة في جعل المدينة عروس المصايف العربية لعام 2014، عليها أن تقف وبشكل جاد لمشروعها، وألا تخيفها بعض الأصوات من هنا وهناك.
والغريب أنه في الوقت الذي قام فيه بعض المحتسبين بغزوتهم ضد شاشات كأس العالم في الطائف، كان أمير الرياض يتفقد المشروع نفسه في أحد المتنزهات في العاصمة الرياض واستقبله أمين العاصمة المهندس عبدالله المقبل، بل إن الأمير شاهد إحدى المباريات المنقولة كاملة في متنزه الملك عبدالله، ولم نسمع عن محتسبين معارضين لشاشات الرياض، وكما قرأت فهناك شاشات أخرى في بعض مدننا في جدة ومكة ولم يحدث مثل هذه الاعتداءات، فهل على شباب الطائف السفر إلي مكة وجدة مثلاً لمتابعة مباريات كأس العالم، والغريب أن بعض دعاتهم لا يملون ويحذرون من تكرار خطورة الاختلاط على مجتمعنا، وفي الوقت نفسه نجد صورهم وهم يتوسطون النساء في لقاءات تقام خارج المملكة. إنه قمة التناقض والاستغفال والضحك على عقول بعض الشباب المتحمسين للوقوف ضد أي مشروع تحديثي له علاقة بالمرأة.
المصدر: الحياة