تعرفت على محمد علوان في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وأنا على وشك التخرج من جامعة الملك سعود بالرياض. كان محمد علوان وقتها نجماً في سماء الصحافة والثقافة والحراك الأدبي السعودي، بل ربما أهم كاتب قصة قصيرة في السعودية. كان، ومعه صديقه أحمد أبودهمان، نجمان في سماء الصحافة السعودية. محمد علوان في الرياض وأحمد أبودهمان في باريس. وكانا بالنسبة لي، ولكثيرين من جيلي من القادمين من تلك الجبال التي نشأ على سهولها وفوقها علوان وأبودهمان، ملهمان وصاحبا تجارب أدبية وإعلامية تحفز أمثالي على الحلم! لا أذكر كيف ومتى كان لقائي الأول بمحمد علوان. لكنني أتذكر زياراتي له في مكتبه في مبنى الإعلام الداخلي بوزارة الإعلام، مقابل برج التلفزيون. كان مكتبه مفتوحاً للجميع وكثيراً ما قابلت هناك كتاباً وصحفيين ومثقفين وعلى رأس القائمة صديقه الحميم وزميله في الدوام القاص حسين علي حسين. قرأت وقتها مجموعته القصصية الشهيرة، “الخبز والصمت” التي قدم لها الكاتب المصري الكبير، يحيى حقي، وقد كانت وما زالت ملئ السمع والبصر. كان (أبو غسان) ودوداً خدوماً مرحاباً مع الجميع. كان لي، منذ عرفته، أخاً أكبر وأستاذاً ونعم الصديق، لا يبخل بالنصيحة، مبادراً بالاتصال والسؤال، كريماً في حديثه وضيافته. حينما ضاقت بي الدنيا، في بدايات التسعينات، وكان جل همي وقتها البحث عن فرصة للدراسة في أمريكا، ذهبت إليه أستشيره في الموضوع. وما هي إلا أيام قليلة حتى رتب لي مواعيد ولقاءات مع مسؤولين له عندهم مكانة كبيرة، ثقة في توصيته ومحبة لفكره. كان أبو غسان نافذتي الأولى لتحقيق حلم الدراسة وتجربة الحياة في الخارج. وكان يتابع أدق تفاصيل ترتيبات القبول في الجامعة وإنهاء إجراءات السفر الى أمريكا.

من خلال أبو غسان تعرفت على قائمة ذهبية من الزملاء والأصدقاء من نجوم المشهد الثقافي والفني والإعلامي في المملكة. هكذا كان أبو غسان محباً للجميع، يؤلف بين القلوب ويجمع العقول ، مبادراً بالتواصل مع الجميع. في السنوات القليلة الماضية، زاد التواصل بيننا. كان يبادر بالاتصال، سائلاً عن الحال أو فرحاً بإنجاز قصة قصيرة جديدة لا يتردد في إرسالها لي ثم سؤالي عن رأيي فيها. كنت صدقاً أخجل من سؤاله فهو، بالنسبة لي ولجيلي، المعلم الذي أتقن الكتابة الصحفية الساخرة، وحدّث كتابة القصة القصيرة وبرع فيها. وعلى الرغم من بعض متاعبه الصحية، كان مواضباً على القراءة والكتابة بشكل مذهل. في آخر لقاء جمعني به، وكان ذلك في البحرين قبل أقل من سنة، ومعه التقيت بصديقه الشاعر قاسم حداد، كان يخبرنا: “أكتب كي أعيش” و “أنا أتنفس بالكتابة”. وكما أبدع وتألق في كتابة القصة والمقالة، فقد تميز جداً في علاقاته الإنسانية الجميلة حيث يبادر دوماً بالسؤال والاتصال بالجميع، ناثراً المحبة حوله لكل من يعرفهم، حتى ضرب أروع الأمثلة في العلاقات الإنسانية الحقيقية التي لا تنشأ على أساس مصالح وقتية أو مجاملات شكلية.

صباح أمس الخميس، استيقظت على رسالة من مصدر لم أتأكد من دقته، تنقل الخبر الحزين، خبر وفاة الصديق العزيز والأخ النبيل محمد علي علوان. ركضت نحو منصة (إكس) لأتأكد من الخبر، مُمنياً النفس بإنها إشاعة أو خبر متسرع، لتصدمني الحقيقة المرة عبر تعازي وحزن الوسط الثقافي والإعلامي السعودي على رحيل محمد علوان.

ويالها من مصادفة أن أكتب هذه المقالة وعلى نفس الطاولة مجموعة “إحداهن” و “تهلل” حيث كنت، قبل أيام، أتحدث مع كاتبها عن محبتي لكل حرف وجملة وحكاية فيهما إذ كنت أقرأ نفسي، وأهلي، في معظم صفحاتهما.

رحمك الله أبا غسان، وألهم أسرتك الكريمة، زوجتك أم غسان وأبنائك وبناتك، الصبر والسلوان.

سأفتقد صوتك وتعليقاتك ورسائلك.

سأفتقدك جداً جداً.