كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
من مدينة طرفية من الوزن السكاني المتوسط، استثمر هذا الطبيب الشهير وأكمل في ما يقرب من عقدين من الزمن مركزه الطبي المتخصص، وبلا جدال أو دعاية لأحد، فقد قدم لتلك المنطقة البعيدة خدمة طبية متميزة،حتى أصبح علامة فارقة في الخدمات الصحية. أعرف مشواره جيدا، وإن كنت أكتب اليوم من باب رفع قصة المبنى للمجهول. نحن وبكل وضوح وصراحة، مواطنين كنا أو كتّاباً أو حتى مسؤولين، لا نستمع أبداً إلى معاناة رجل الأعمال ولا لشكوى المستثمر، ولا نلتفت لعشرات القوانين البيروقراطية التي تهدد هؤلاء، وهم بالآلاف، بالخروج القسري من السوق. نحن نضع المستثمر الحقيقي مع المستثمر الوهمي في ورقة حواجز وتعقيدات واحدة. وحين استمعت إليه داخلني شك أقرب إلى اليقين أننا في كل مدن الأطراف سنعود عما قريب إلى العلاج الخاص في مدينة المركز، معظم المستثمرين الكبار في القطاعين الصحي والتعليمي في المدن الصغيرة والبعيدة سيخرجون حتما من السوق، إذا ما ظلت الأنظمة تتعامل معهم بهذه الطريقة. صاحبنا، وبالبراهين، لم يحصل على تأشيرة صحية واحدة لأكثر من عام لأن دوزنة النظام لا تفرق بين استقدام طبيب أو فني تخدير، وبين استقدام عامل ورشة أو فني نجارة. لا تفرق بين مستثمر في جدة حيث الزبائن بالآلاف وبين آخر في جازان أو تبوك، حيث يكون الاستثمار الصحي الثقيل مغامرة محفوفة بالمخاطر. وفي الدول الكبرى، في المساحة والاقتصاد، كما هو حالنا بالضبط، تتجه بناءات الأنظمة المختلفة إلى القوانين التحفيزية التشجيعية، وخصوصاً للمستثمر في القطاعات الحيوية من أجل تسهيل وصول هذه الاستثمارات إلى أطراف الخريطة. وإذا لم نبتكر مثل هذه القوانين التمييزية وخصوصاً في القطاع الصحي فسيبقى سكان هذه المدن الطارفة والصغيرة البعيدة عالة على القطاعات الصحية في مدن المركز. يحصل المستثمر مثلاً في ولايات شمال الغرب الأميركي على إعفاءات ضريبية، وعلى أنظمة قانونية أكثر مرونة وتساهلاً، نظراً لقلة سكانها وانعدام جاذبية الاستثمار فيها، هنا، ولدينا فقط، لا فرق في قوانين العمل أو المالية أو كل إدارة أخرى ذات علاقة ما بين الاستثمار في ورشة حدادة أو مشفى، مثلما لا تفرق أبداً بين مستثمر مغامر في رفحاء أو صامطة جازان، وبين آخر في شارع العليا أو التحلية.
المصدر: الوطن