«ادفع 6000 درهم فقط واحصل على شهادة ماجستير مصغر، أو شهادة معتمدة من جامعتي القاهرة وعين شمس في جمهورية مصر العربية، أو غيرهما من الجامعات العربية والدولية المرموقة، لتكون خبيراً أو استشارياً في مجالك، عليك فقط الالتحاق بأيٍّ من برامجنا، وإذا تعذر حضورك شخصياً تستطيع حضور المحاضرات على الإنترنت ونحن نرسل إليك شهادتك الموثقة حيثما كنت».. هذا فحوى ما نشرته معاهد ومراكز تدريب تعمل داخل الدولة للإعلان عن برامج تدريبية يستغرق بعضها ثلاثة أيام فقط.
«الإمارات اليوم» أجرت تحقيقاً ميدانياً أظهر وجود سوق لتجارة الألقاب العلمية، إذ تتنافس معاهد ومراكز في تقديم برامج تحمل مسميات علمية «مضللة» تتوقف درجتها على ما يدفعه الطالب، في حين أن شهاداتها غير معتمدة من أي جامعة كما تدعي، فضلاً عن أن الجهات المختصة في الدولة لا تعترف بها.
فيما أكدت وزارة التربية والتعليم لشؤون التعليم العالي، وهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، عدم قانونية هذه الممارسات، مشيرتين إلى أن هذه الشهادات لا تحمل أي قيمة علمية وغير معترف بها، محذرتين الطلبة والموظفين من الانقياد لها.
ونفت جامعتا القاهرة وعين شمس صلتهما بهذه المعاهد كلياً، مؤكدتين أنهما ستلاحقان قانونياً من يقف وراء استغلال اسميهما في هذه الأعمال.
إلى ذلك، قال طلاب وموظفون حصلوا على شهادات علمية ذات مسميات أكاديمية عليا من بعض هذه المراكز، إنهم لجأوا إلى هذه المعاهد رغبة في الحصول على مسمى علمي يوفر لهم فرص عمل مناسبة، ظانين أن هذه الشهادات تجد رواجاً لدى بعض الشركات الخاصة، وتعطي المتقدمين للعمل لديها بعض الأفضلية عن غيرهم، إلا أنهم اكتشفوا أن ذلك لم يكن صحيحاً بعد أن استنزفوا مالياً.
أجرت «الإمارات اليوم» جولة ميدانية شملت معاهد ومراكز تدريب في الدولة، تعلن عن برامج ذات مسميات علمية، منها: ماجستير مصغر، واستشاري، وخبير، وبعضها يسمح للطالب بكتابة المسمى الذي يريده، أو الحصول على درجات علمية أعلى مقابل دفع مال أكثر.
والتقى محرر الصحيفة مسؤولين في معاهد ومراكز بوصفه شخصاً يرغب في الالتحاق ببرامجها التدريبية، وأكدوا له أن البرامج تستغرق فترات زمنية تبدأ من ثلاثة أيام للدورة المكثفة، وتصل إلى أسبوعين، حداً أقصى، وتختلف أسعار البرامج حسب مدتها وعدد الملتحقين بها.
وشرحوا أن كلفة الدورة المكثفة تبلغ 15 ألف درهم، أما المشاركة ضمن مجموعة فتكلف نحو 6000 درهم. وأشاروا إلى خدمات إضافية تتمثل في إمكان اعتماد الشهادة وتوثيقها من جامعات عربية ودولية مرموقة، مثل جامعتي القاهرة وعين شمس في مصر، وجامعات أجنبية شهيرة، مقابل رسوم إضافية، في حال رغب الطالب، مؤكدين إبرام اتفاقات تعاون مع هذه الجامعات ووجود مندوبين لهم في دولها، مهمتهم إتمام الاعتماد وتوثيقه.
ويلجأ مديرون في هذه المعاهد إلى استئجار قاعات فندقية، والتعاون مع أساتذة جامعات ومدربين يعملون بنظام الدوام الجزئي، لتقديم البرامج للطلبة في تخصصات مختلفة.
وقد قدمت معاهد عروضاً خاصة على برامجها التدريبية، تصل إلى نحو 50% في المناسبات الدينية والرسمية، فيما قدمت أخرى تسهيلات تتمثل في إعفاء الطلاب من الحضور إلى مقر عقد الدورات، والاكتفاء بإخضاعهم لها على الإنترنت، وإرسال الشهادة إليهم حيثما كانوا.
وقال مستشار وزير الدولة لشؤون التعليم العالي، سيف المزروعي، إن إعطاء هذه المعاهد والمراكز برامج تعليمية مهنية بمسميات أكاديمية رفيعة يعد تضليلاً وخداعاً للطلاب، هدفه الربح المالي، مؤكداً أن نشاطها تجاري وليس تعليمياً.
وتابع: «على الرغم من عدم اعتراف وزارة التربية والتعليم، أو أي جهة رسمية أخرى داخل الدولة بشهاداتها، فهي تجذب أعداداً كبيرة من الباحثين عن مسميات علمية يعتقدون أنها تمثل إضافة أو قيمة لحياتهم المهنية أو الأكاديمية».
وطالب المزروعي الراغبين في الحصول على برامج تعليمية، أو شهادات أكاديمية، بمراجعة موقع الوزارة الإلكتروني، والتأكد من أن شهادة هذه الجهات معتمدة أم لا، ويمكن الاستفادة منها داخل الدولة سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
وذكر أن كثيراً من الحاصلين على شهادات علمية من داخل الدولة وخارجها يفاجأون عند التقدم لمعادلتها من الوزارة بأنها غير معترف بها داخل الدولة، محملاً إياهم المسؤولية عن ذلك.
وفي ما يتعلق باستغلال أسماء جامعات دولية لجذب الطلاب والاحتيال عليهم، أكد أن الوزارة تتحرك رسمياً في حال تلقي شكوى رسمية في هذا الشأن، مضيفاً أن البرامج التعليمية ذات المسميات المضللة لا يمكن أن يلجأ إلى تقديمها أيٌّ من الجامعات المرخصة العاملة في الدولة، إنما تقتصر على المعاهد ومراكز التدريب، والوزارة ليست مسؤولة عن رخصهم.
وحذّر مدير هيئة الاعتماد الأكاديمي، التابعة لوزارة التربية والتعليم، الدكتور بدر أبوالعلا، من الإقبال على المعاهد والمراكز التي تقدم هذه النوعية من الشهادات، مشدداً على ضرورة مراجعة قائمة البرامج المعتمدة قبل التوجه إليها.
وأكد أن الهيئة تعتمد المسميات العلمية التي تتماشى فقط مع ما اعتمد من منظومة المؤهلات الوطنية، أما ما تتداوله المعاهد فيعد مسميات تجارية، تهدف إلى تحقيق الأرباح على حساب أحلام وطموحات الملتحقين بها.
وأكد مدير عام جامعة الإمارات، رئيس لجنة معادلة الشهادات في الوزارة، الدكتور محمد البيلي، أن الشهادات الصادرة عن هذه المعاهد، التي تحمل مسميات علمية رفيعة هي عديمة القيمة، إذ ينظر في الأساس إلى الرسالة العلمية التي تندرج تحت المسمى، وفق المعايير والشروط المعتمدة.
بدورها، أفادت مديرة إدارة تصاريح المؤسسات التدريبية في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، أسماء بن دلموك، بأن الهيئة رصدت معاهد تدريبية تقدم برامج تعليمية تحمل مسميات درجات علمية أكاديمية عليا، لجذب أكبر عدد من الملتحقين، من خلال فرق المتابعة الميدانية وبعض الشكاوى التي تتلقاها من حين إلى آخر من ضحايا لهذه المعاهد، مؤكدة مخالفة هذه الممارسات للقانون.
وتابعت بن دلموك أن الأمر لم يقتصر على الطلاب والموظفين من داخل الدولة، فقد جذبت المسميات العلمية المضللة ملتحقين من دول أخرى، مشيرة إلى أن المعاهد تخدع المقبلين عليها وتوهمهم بأن شهاداتها معتمدة دولياً، في حين لا تحصل على أي اعتماد داخلي.
وأوضحت أن مخالفة أي معهد لشروط الترخيص، سواء اكتشفت الهيئة ذلك من شكاوى تقدم بها متعاملون أو عمليات الإشراف من فرق الالتزام وضبط المسؤوليات بالهيئة، تبدأ بإنذارات، وتصل إلى حد إلغاء التصريح التعليمي في حال عدم تصحيح المخالفة ضمن الأطر الزمنية المحددة.
وأكدت حرص الهيئة على حماية المتدربين من خلال تنفيذ إجراءات احترازية استباقية تتمثل في التدقيق على قائمة البرامج التدريبية، والتأكد من عدم السماح للمعاهد التدريبية بطرح برامج تحت مسميات «مضللة».
ظنوا أنها ستلقى رواجاً في شركات خاصة
طلاب وموظفون: شهادات مراكز التدريب.. أوهام وظيفية ونزيف مالي
قال طلاب وموظفون حصلوا على شهادات علمية ذات مسميات أكاديمية عليا من معاهد ومراكز تدريب، إن مسميات البرامج التي أعلنت عنها المعاهد كانت عامل الإغراء الأقوى للتسجيل فيها، والحصول على شهادتها، وإنهم أقبلوا عليها معتقدين أنها ستسهل عليهم الحصول على فرص عمل مناسبة، وتحصيل ميزات وظيفية في مؤسساتهم، على الرغم من عدم اعتراف وزارة التربية والتعليم بها.
ولفتوا إلى أن كثيراً من المعاهد تعدهم بشهادات علمية موثقة ومعتمدة من جامعات عربية وأجنبية مرموقة، مقابل مبالغ إضافية، وتأتي الشهادات حاملة أختاماً وتوقيعات تفيد بأنها موثقة من قبل تلك الجامعات فعلا، لكن محاولة الاستفادة منها تكشف أنها مجرد وهم.
إلى ذلك، أكد الطالب (محمد.ع)، أنه حصل على ماجستير إدارة الأعمال المصغر من أحد المعاهد داخل الدولة، ليفاجأ بعد ذلك أن شهادته غير معترف بها من أي جهة رسمية داخل الدولة، ولا يمكن الاستفادة منها في عمليات التوظيف أو البحث عن وظيفة، وطالب بمعاقبة هذه المعاهد التي تتلاعب بأحلام الشباب.
وأشار الموظف (إبراهيم.ج)، إلى أنه تقدم إلى أحد المعاهد التدريبية طالباً الحصول على أحد برامج الماجستير، شرط الحصول أيضاً على شهادة تحمل مسمى «خبير في الموارد البشرية»، للاستفادة منها في مجال عمله، وفتح باب الترقيات أمامه بسهولة، إلا أنه فوجئ بعدما دفع 10 آلاف درهم مقابل محاضرات عدة حصل عليها خلال أسبوعين، بعدم اعتراف جهة عمله بالشهادة، لعدم إمكانية تصديقها من قبل وزارة التربية والتعليم، أو هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، لتصبح الشهادة مجرد حبر على ورق.
وذكر أحمد فتحي، الذي تخرج في إحدى الجامعات الخاصة في دبي، أنه انجذب لإعلان خاص بمعهد تدريب، بعدما أكد أنه يعطي شهادات علمية معتمدة من جامعات عربية مرموقة، مثل جامعتي القاهرة وعين شمس في جمهورية مصر العربية، وبأسعار تعد رمزية.
وأضاف أن الشهادة بدت له، من عنوانها ذات قيمة رفيعة. وعقب تسجيله في أحد البرامج وحصوله على شهادة تحمل أختاماً وتوقيعات تفيد بأنها معتمدة من جامعة عين شمس، اكتشف نفي الجامعة لأي علاقة تربطها بالمعهد أو غيره من المؤسسات التي تستخدم اسمها خارج مصر أو داخلها، ليصل في النهاية إلى امتلاكه شهادة يخشى تقديمها لأي جهة، حتى لا يقع تحت طائلة القانون.
المصدر: الإمارات اليوم