كاتب إماراتي
من بين بلدان الشرق الأوسط، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الأفضل في مجال التنمية والتنوع الاقتصادي، إذ حققت خلال العقود الماضية معدلات نمو مرتفعة ومستويات معيشية جيدة بشكل عام ليس للمواطنين الخليجيين فحسب، وإنما لمجمل السكان في دول المجلس.
هذا الاستنتاج لا يأتي من فراغ، بل مبني على حقائق وأرقام صادرة عن مؤسسات متخصصة ومنظمات دولية محايدة، فتقارير الأمم المتحدة تضع دول المجلس في مقدمة البلدان التي حققت تنمية بشرية عالية، كما أن صندوق النقد الدولي يضعها على رأس البلدان التي تحقق نسب نمو جيدة بلغت 5% سنوياً في المتوسط خلال الأعوام القليلة الماضية.
وفي مجال التنوع الاقتصادي، وهي مسألة في غاية الأهمية لارتباطها بفترة ما بعد النفط، فقد أشارت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية «غويك» وهي منظمة متخصصة، إلى أن قيمة الصادرات الصناعية الخليجية ارتفعت خلال السنوات الخمس الماضية من 158.5 مليار دولار في عام 2008 إلى 256.4 مليار دولار في عام 2012 وبمعدل 12.4% سنوياً، وهي نسبة كبير تحققت في ظل أزمة مالية عالمية طاحنة لتعكس الأهمية المتزايدة للقطاع الصناعي الخليجي.
ترافق ذلك مع تحقيق نقلة نوعية ارتفعت فيها نسبة قيمة الصادرات الصناعية من 21.8% نسبة لإجمالي قيمة الصادرات الخليجية إلى 24.2% في نفس الفترة، حيث شهدت السنوات الخمس الماضية إقامة مشاريع صناعية كبيرة، كمصنع الإمارات للألمنيوم، والذي نجم عن اندماج مصنعي الألمنيوم في أبوظبي ودبي وإقامة العشرات من المصانع البتروكيماوية الحديثة في العديد من دول المجلس، وبالأخص في الإمارات والسعودية من بينها مصانع تقام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط.
أدى ذلك إلى تحول دول المجلس إلى أحد أكبر مراكز إنتاج السلع البتروكيماوية في العالم، كما أنها تقوم بإنتاج 9% تقريبا من إجمالي إنتاج الألمنيوم في العالم، هذا إلى جانب الصناعات الغذائية والمعادن وقطاع مواد البناء والتشييد والتي أصبحت منتجاته توزع في اكثر من 160 بلداً حول العالم، وبالأخص صناعة الإسمنت والسيراميك.
يشير ذلك إلى أن دول المجلس تسير بصورة منتظمة ومتدرجة نحو إحداث المزيد من التنوع الاقتصادي لتنويع مصادر الدخل وتوفير المزيد من فرص العمل، حيث تشمل عملية التنوع القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء، وذلك رغم اختلاف القدرات التمويلية لكل منهما. ففي الوقت الذي تتوافر فيه قدرات وتسهيلات مالية كبيرة للقطاع العام بفضل العائدات النفطية وقوة المركز المالي لدول المجلس والذي يشجع المؤسسات المصرفية على تقديم التمويل اللازم للمشاريع الكبيرة، فإن القطاع الخاص الخليجي يعاني وفق تقارير حديثة من شح في التمويل، وذلك رغم وجود صناديق متخصصة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي يتمحور حولها نشاط القطاع الخاص الصناعي، مما يتطلب توجيه مزيد من الاهتمام لمعالجة شح التمويل والذي يحمل طابعا هيكليا ناجما عن توزيع الائتمان المصرفي وعن القدرات التمويلية للمؤسسات المتخصصة وليس عن نقص التمويل بحد ذاته.
هذه مسألة يمكن تذليلها من خلال تنسيق جهود المصارف المركزية ووزارات المالية لتلبية متطلبات المرحلة القادمة من التنمية، بما فيها الصناعية، إذ تشير كل الدلائل إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي مقدمة على نقلة نوعية أخرى في العديد من القطاعات، وبالأخص القطاع الصناعي، حيث أعلن عن إنشاء المزيد من المشاريع والمناطق الصناعية المتطورة، «ككيزاد» المرتبطة بميناء خليفة في الإمارات ومنطقة الملك عبدالله الاقتصادية في السعودية.
المرحلة الحالية تكتسب أهمية أكبر للعديد من الاعتبارات، والتي يأتي من ضمنها ارتباط تلك المشاريع الصناعية الجديدة بمصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الأكثر حداثة وحماية البيئة والتجارة الإلكترونية، حيث يمكن لصناعات القطاع الخاص أن تلعب دوراً مكملاً لمشاريع القطاع العام متى ما توافرت لها سبل النجاح، وبالأخص التسهيلات التمويلية وتشجيع الصادرات ودعم قدراتها التنافسية في ظل المنافسة الشديدة في الأسواق الدولية.
المصدر: الاتحاد