يتفق العلماء والباحثون أن البشرية ما كان لها أن تبلغ مراحل حضارية متقدمة، لولا اعتماد الإنسان على الملاحظة والبحث والاستقراء ثم الاستنتاج، مستفيداً من طاقاته العقلية والجسدية، ما أتاح له القدرة على التأمل!
لقد دأب الإنسان منذ فجر التاريخ على متابعة حركة سير النجوم والكواكب، وملاحظة تعاقب الفصول، وما ترافق معها من تحركات للكائنات الحية، وتعاقب دورة الحياة، وما يصاحبها من ظواهر طبيعية، لم يكن بمقدور إنسان ذلك الزمان تفسير تداعياتها، كتساقط الأمطار أو هبوب الرياح واشتعال النيران بسبب الزلازل والبراكين.
لقد كان الإنسان، وما زال، حريصاً على ضمان أمنه واستقراره، فالحاجة إلى الأمن والطمأنينة تمليها غريزة حب الحياة، وضمان استمرارية النوع.
تاريخياً، ارتبطت البدايات الأولى للتفكير العلمي مع تطور الفكر الاجتماعي، إذ تأكد أنه كلما تطور الإنسان اجتماعياً، ارتقت قدراته الفكرية، ولذا، ظهرت بواكير التفكير العلمي عند فلاسفة اليونان والرومان القدماء، إذ قادهم التأمل إلى الاستنباط، ثم إلى الفلسفة التي قاد سيرتها أفلاطون (الذي جاهد لبناء جمهوريته الفاضلة)، وجاء بعده أرسطو ورهط من الفلاسفة الذين أسسوا مدارس واتجاهات فلسفية، تراوحت بين «الفكر المثالي التأملي»، و«الفكر البراغماتي الواقعي».
وفي مراحل لاحقة من تاريخ التفكير الاجتماعي، برزت اتجاهات جديدة، ساعدت على التوصل إلى سلسلة من القوانين (فأرخميدس أوصلنا إلى قانون الطفو وغاليليو ساعد على فهم الجاذبية الأرضية).
إن المجتمعات التي تقدمت مسيرة الحضارة، هي: «المجتمعات التي استطاعت أن توظف البحث العلمي على أوسع نطاق»، مجتمعات أدركت أن السير الاعتباطي والعفوي لوتيرة الحياة، لا يوصل إلى نتائج محققة؛ بينما إخضاع الظواهر والمشكلات للدراسة والتحليل، يقود حتماً إلى حلول حتمية!
لقد بات إنشاء مراكز علمية للبحوث المتخصصة، أحد هموم الدول التي دخلت سباق التطور، معتمدة على إسهامات العلماء والمفكرين وطلاب الدراسات العليا، الذين تتوفر لهم الإمكانات والفرص لقراءة المستقبل، لأن علم المستقبليات يتحدد بالمستوى الحضاري لأي مجتمع، ويقاس بمقدار الإنجازات العلمية التي تتحقق وتسهم في حركة التطور، كما أن التقدم العلمي يمكن قياسه أيضاً بمدى تشبع أفراد المجتمع بروح العلم، تفكيراً وبحثاً وتخطيطاً وإبداعاً.
ومن هذا المنطلق ولتلك الرؤية الاستشرافية الثاقبة لقيادتنا الرشيدة، أطلق «قائد الإنجازات الحضارية» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، «مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية»، والذي يعد أول مركز أبحاث طبية حيوية مستقل في الإمارات، بقيمة إجمالية قدرها 300 مليون درهم.
وهذه خطوة جديدة لدولة الإمارات في طريق الاهتمام بالإنسان والحفاظ على صحته وضمان مستقبله، وسيعمل المركز على تطوير أبحاث تتناسب مع بيئتنا وطبيعة الاحتياجات الصحية لمجتمعنا، وسيكون إضافة تدعم شبكة المراكز البحثية الطبية العالمية، فهو جزء من مساهمة دولة الإمارات في مجال الأبحاث الطبية الحيوية في العالم.
ويرى أكاديميون واختصاصيون وباحثون في مجال الطب والعلوم الصحية بدولة الإمارات أن إطلاق مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية، يُعد إضافة نوعية جديدة لسلسلة المراكز البحثية التخصصية في الدولة، لا سيما منها المراكز الطبية، ما يؤكد مدى حرص قيادتنا الرشيدة على الاهتمام بصحة الإنسان، وانعكاسها على سلامة المجتمع.
ولقد حققت دولة الإمارات في عام 2019 المرتبة الأولى في 7 مؤشرات عالمية في مجال الصحة، وذلك وفقاً للهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء.
إن العالم يتغير من حولنا بسرعة مذهلة، بحيث أصبح المستقبل وشيكاً دائماً، ولا بد من الاستعداد له عبر بوابة «البحث العلمي».
وفى رأيي فإن البحث العلمي، يعتبر أهم وسائل صنع المعرفة والتقدم، وسيبقى خيارنا الوحيد لوضع خططنا الاستراتيجية على أرض الواقع، من خلال تبني المنهجية العلمية، والاعتماد على البحوث والتجارب والدراسات العلمية المعمقة، حتى نلحق بركب الأمم التي سارعت الخطى في اتجاه الريادة والتميز في مجال البحث العلمي، ودولة الإمارات سباقة دائماً ورائدة في مجال التنافسية العالمية بشهادات وإشادات أممية.
المصدر: البيان