باحث إماراتي
«إما انهيار، أو التزام، أو تمديد» ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها تترقب مصير اتفاق البرنامج النووي الإيراني الذي أبرم بين كل من إيران و5+1.
ومن خلال الأسئلة التالية ننطلق مع القارئ لنستشرف مستقبل هذا الاتفاق:
1 – كيف تنظر الأطراف لهذا الاتفاق؟
2 – ما العوامل الرئيسة المهددة له؟
3 – هل يمكن التغلب على تلك المصاعب؟
4 – ما السيناريو الأرجح لمصير هذا الاتفاق؟
المتتبع لحيثيات هذا الاتفاق يدرك منذ البداية الصعوبات التي تواجه هذا الاتفاق، والتي يتمثل أهمها في حاجز الشكوك التي تحوم حول ثقة كل طرف بالآخر. فانقلاب عام 1953، على حكومة مصدق، وتلكؤ الطرفين في تنفيذ وعودهما، والهواجس من نوايا كل طرف للآخر، دفعت إلى أن تمتد الأعوام تلو الأعوام حتى جرى التوصل مؤخرا إلى هذا الاتفاق.
هذا الاتفاق جاءت معه معضلة التباين في قراءة بنوده، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أنه جرى التوصل إلى اتفاق «على» خطة عمل، جاء بعدها جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني ليصرح بأنه جرى التوصل إلى اتفاق «و» خطة عمل.
وشتان هنا ما بين «اتفاق على خطة عمل» وبين «اتفاق وخطة عمل». يأتي بعده وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليؤكد أن هذا الاتفاق لا يعطي الحق لإيران في تخصيب اليورانيوم، في حين أن جواد ظريف قد أكد اعتراف 5+1 بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وجاء هذا الأمر في موضعين في هذا الاتفاق المبرم.
إذن يتضح جليا أن منظور كل طرف لهذا الاتفاق يعطي قراءة مغايرة بينهما وهو لا شك انعكس وسينعكس على هذا الاتفاق.
إضافة إلى التباين في القراءة تأتي عناصر أخرى تُعد بحق معضلة لهذا الاتفاق تتمثل في القوى المعارضة لهذا الاتفاق وهي:
1 – إسرائيل: حيث جاء هذا الاتفاق من المنظور الإسرائيلي بوصفه خطأ تاريخيا، يدفع هذه الأخيرة لأن تراه أمرا غير ملزم لها. هذا الأمر بدوره سوف يدفع بالجانب الإسرائيلي إلى ممارسة المزيد من الضغوطات على 5+1 وخاصة الولايات المتحدة لوضع العراقيل أمام هذا الاتفاق، سعيا للحصول على المزيد من التنازلات من الطرف الإيراني والوصول إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني وهو أمل تسعى إسرائيل لتحقيقه.
2 – الكونغرس الأميركي: الذي يسعى بدوره إلى فرض مزيد من العقوبات معتبرا هذه الأخيرة، هي من دفعت النظام الإيراني إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات، وأن الاستمرار في فرض المزيد من العقوبات سيحقق الهدف المنشود. صقور المحافظين وكذلك الديمقراطيون بالإضافة إلى دور اللوبي اليهودي كل هذا يجعل الكونغرس من العناصر الرئيسة التي تشكل عامل ضغط على هذا الاتفاق. مسودة مشروع قرار بفرض مزيد من العقوبات على إيران في حال فشل المفاوضات، وإعطاء هذه المفاوضات مهلة عام تصب في خانة العقبات التي من شأن الكونغرس أن يضعها أمام هذا الاتفاق.
3 – الأصوليون في إيران: لا يزال بعض الأصوليين سواء قبل الوصول إلى الاتفاق أو أثناءه أو بعده يبدي تشاؤمه وشكوكه، معتبرا إياه أنه منتقص لحقوق الشعب الإيراني. ويأتي البرلمان الإيراني ذو الأغلبية الأصولية ليضغط باتجاه إبداء المزيد من التشدد الذي يرى فيه السبيل لفرض شروط إيران على الطرف الآخر. إعداد مسودة مشروع لرفع نسبة التخصيب إلى 60 في المائة من قبل البرلمان، واستمرار التصريحات المتشددة من الأصوليين، سيجعلان هذا العنصر نشطا دائما، مسببا المزيد من الضغوطات على حكومة روحاني وعلى الاتفاق المبرم.
بعد استعراضنا مع القارئ أهم العوامل الضاغطة على هذا الاتفاق، يأتي التساؤل الآخر، هل يمكن التعامل مع هذه العوامل وتخفيف وطأتها؟
للوصول إلى قراءة صحيحة، فإنه يتوجب معرفة حقيقة نوايا الطرفين من هذا الاتفاق. المؤشرات تعطي دلالات واضحة على أن تلك العقوبات التي فرضت على إيران كان الهدف منها دفع إيران لتقديم التنازلات والتأكد من سلمية البرنامج النووي. على الطرف الآخر يدرك النظام الإيراني على الرغم من تلك التصريحات المتشددة أن الوضع الاقتصادي في إيران لم يعد يحتمل المزيد من العقوبات، وأن المخرج الوحيد لهذه الإشكالية يتمثل في الوصول بهذا الاتفاق إلى بر الأمان.
وحين نسقط هذا الأمر على أرض الواقع، نرى أن التصريحات المتشددة والمقبلة من إيران بعد فرض عقوبات على عدد من الشركات والشخصيات الإيرانية، بدأت تأخذ بعض الليونة وتجنب التصعيد. علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني وصف هذا الاتفاق بالمحطة المؤقتة، وأن الحنكة والذكاء يستوجبان تخطي هذه المرحلة للوصول إلى الهدف الأسمى وهو التخلص من العقوبات وضمان حقوق الشعب الإيراني. جواد ظريف صرح قبل فرض تلك العقوبات أن أي عقوبات ستفرض ستجعل هذا الاتفاق لاغيا. ولكن عادت تصريحاته بعد فرض العقوبات لتبدي الليونة بقوله إن الاتفاق لم يمت، ولكنه انحرف عن مساره.
على الطرف الآخر الرئيس الأميركي يصف تفكيك البرنامج النووي الإيراني بغير المنطقي في تلميح لمطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك. باراك أوباما يكبح جماح الكونغرس ويلوح باستخدام الفيتو ضد أي مسودة مشروع تزيد من العقوبات على إيران.
إذن ما السيناريو الأقرب لمستقبل هذا الاتفاق؟ هل التزام، تمديد، أم انهيار؟
رغبة الطرفين في التوصل إلى حلول والخطوات التي يتخذها المسؤولون لكبح جماح الصقور، تجعل مسألة انهيار هذا الاتفاق مستبعدة في الوقت الراهن.
كما أن التباين في القراءة الذي ظهر واضحا خلال اجتماع الخبراء الفنيين وما قاله عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيراني بأن «تفسير إيران لاتفاق جنيف يختلف عن تفسير مجموعة 5+1 لذات الاتفاق»، يعطيان مؤشرا على صعوبة الالتزام بفترة الستة أشهر المقررة لهذا الاتفاق لينتقل بعدها إلى الاتفاق النهائي.
التمديد إذن هو الأقرب في استقرائنا لمستقبل هذا الاتفاق، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هناك بندا يعطي حق التمديد لفترة أخرى. وتبقى الرغبة في الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، عاملا قويا في مواجهة العوامل الأخرى التي من شأنها عرقلة هذا الاتفاق.
المصدر: الشرق الأوسط