عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
مثلت منظومة مجلس التعاون الخليجي قوة إقليمية لا يُستهان بها منذ إنشاء المجلس في مايو 1981م، وواجهت هذه المنظومة أحداثاً جساماً ابتداء بالحرب العراقية الايرانية والغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م، مروراً بالإحتلال الأمريكي للعراق في ابريل 2003م، وانتهاء ببدء شرارة الانتفاضات العربية في تونس في 17 ديسمبر 2010م والتي سببت الكثير من التحديات الداخلية والخارجية لدول المجلس.
وأدت تداعيات الربيع العربي إلى انشغال الدول العربية الرئيسية وفي طليعتها مصر وسوريا والعراق بأوضاعها الداخلية الصعبة، مما دفع دول الخليج وخاصة السعودية إلى تبديل نهجها التقليدي القائم على الدبلوماسية الهادئة والسرية أحيانا، محاولة سد الفراغ الاقليمي ولعب دور مؤثر في مسار الاقليم والذي يواجه تهديدات تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة ابتداء من العراق وسوريا ومرورا بلبنان والبحرين وانتهاء باليمن.
ورغم وجود بعض الاختلافات حول السياسات الخارجية، إلا أن المنظومة الخليجية والتي تحتل دولها مساحة إجمالية تصل إلى 2410.7 ألف كم مربع، وعدد سكان يصل إلى 47.0 مليون نسمة، وناتج محلي وصل إلى 1.60 ترليون دولار، وكون أراضيها تحوي احتياطيات هائلة من النفط والغاز جعلها قوة اقليمية وتفاوضية تحسب لها القوى الاقليمية كل حساب.
من ناحية الحسابات الإقليمية، فان قرار سحب سفراء المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين من العاصمة القطرية الدوحة يُعتبر سابقة خليجية، وبغض النظر عن استمرار مدته الزمنية فقد كان للقرار صدى اقليمي وخاصة في طهران وأنقرة، ومع مرور الأيام فقد نشهد مواقف أكثر وضوحا وخاصة إذا استمر الوضع دون تدخل من احدى دول الخليج.
بالنسبة لإيران كانت ردة الفعل الأولية حذرة ومتحفظة كعادة الساسة الإيرانيين، إلا أن إيران كانت بالتأكيد أكثر الدول فرحا بالقرار، وهي ترى أن المساحة المتاحة أمام الدبلوماسية النشطة ستزيد وستقوى خاصة وأن طهران كانت ترسل رسائل هامة للدوحة كان آخرها تصريح علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني، لقناة الميادين في 27 فبراير 2014م بقوله ردا على سؤال حول استثمار إيران الانفتاح على قطر في إطار الأزمة في سوريا فأجاب: «الجميع يعلم أن الملف السوري خرج من يد قطر وبعد أن تم ذلك هناك تطورات حصلت داخل قطر وأنتم تعرفون هذه التطورات، لذلك نحن نترقب دورا آخر من قطر الجديدة بعد هذه التطورات يخالف ذلك النهج أو التعامل السابق لهذا البلد».
ومن ناحية التوقيت فقد جاء القرار الخليجي في وقت تعيش فيه السياسة الخارجية أفضل أوقاتها منذ الثورة الإيرانية، لذا فان أي إضعاف لمنظومة مجلس التعاون الخليجي يعتبر فرصة تاريخية لايران ربما لن تتكرر ثانية خاصة إذا نجحت في سحب قطر قليلا باتجاهها.
أما بالنسبة للجار الإقليمي تركيا، فقد جاء القرار في توقيت سيئ وسط شبه إجماع على أن أنقرة ستعيش في مأزق بعد عقاب الحليف الخليجي الإستراتيجي لتركيا (قطر)، وهي (الداعم المادي واللوجيستي للإخوان، وقد تزيد الضغوط على تركيا نفسها بسبب علاقاتها القوية بجماعة الإخوان، ومن ناحية أخرى، فقد زاد من الأمر صعوبة أن المعارضة استغلت الحدث للتهجم على الحكومة التركية ومحاولة إثبات خطأ نهجها السياسي وتحالفاتها السياسية وإتباع سياسة الأحلاف الخاطئة خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين ودولة قطر، مما قلّص حجم المساحة المتاحة لتركيا للتحرك في المنطقة وعمّق العزلة الإقليمية لتركيا.
رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، اتصل بأمير قطر بعد القرار الثلاثي مباشرة، ومع عدم صدور أي تسريبات إعلامية إلا أن لسان حال أنقرة يقول للدوحة «أنت لست وحيدة ولك أصدقاء في المنطقة»، وسط حديث في الصحف التركية على بروز بوادر لانقسام العالم الإسلامي إلى قسمين ربما ستحدد مستقبل الاقليم قريبا، فالقسم الأول سيضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن، والقسم الثاني سيضم قطر وتركيا وتونس والسودان وستكون إيران هي المستفيدة الأبرز من هذا الانقسام.
الأيام القادمة حُبلى بالمفاجآت، وعلى دول مجلس التعاون أن تعلم علم اليقين أن هناك من يتمنى إتساع رقعة الخلاف الخليجي -الخليجي، والكرة في مرمى دول المجلس لضبط حدود خصومتها وعدم إعطاء فرصة للمتربصين بمنظومتها.
المصدر: اليوم السعودية