رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
نشجع المواطنين على اقتحام عالم التجارة، وطالبنا مرات ومرات بإعطائهم التسهيلات اللازمة، وإعفائهم من اشتراطات كثيرة، وتقديم كل عون لهم من الجهات المختصة لتنمية أعمالهم وتوسيع دائرة انتشارهم، وسنظل ندعو إلى ذلك باستمرار، فتحويل شاب أو شابة مواطنة إلى رواد أعمال في القطاع الخاص أهم بمراحل من توفير وظيفة لهم، سواء كانت تلك الوظيفة حكومية أو خاصة.
ولكن هذا لا يعني أبداً أن يستعجل كثير منهم قطف الثمار، ويستعجلوا في تحقيق نتائج آنية قصيرة المدى، وأن يركزوا جل اهتمامهم في تحقيق ربح سريع ومضاعف من دون النظر إلى الجودة وأسعار المنافسين، ومن دون التفكير في مشاريع مميزة تضمن لهم الاستمرار والديمومة، وتكون قابلة للتوسع والانتشار المستقبلي بشكل تدريجي.
بدأنا نلحظ بشكل عام، مبالغة في الأسعار لدى بعض أصحاب المشاريع الصغيرة، والمتناهية الصغر، التي يديرها مواطنون أو مواطنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي غالباً، ولمنتجات متكررة ومنتشرة، والأمثلة كثيرة جداً، وليس «البورغر» سوى أحد هذه المنتجات المنتشرة على سبيل المثال، حجم صغير، طعم متشابه، سعر يبلغ ضعف محال البورغر العالمية الشهيرة المنتشرة في مختلف المولات وأحياناً ضعفين، مع الأخذ في الاعتبار الفرق الكبير في سعر كلفة «البورغر» في محل تجاري بمول شهير، مصحوباً بإيجارات وموظفين وعقود ورسوم عمل وإقامة وتنمية اقتصادية وبلدية واستيراد وشحن وغيرها، وبين موقع مجاني على «إنستغرام» أو «سناب شات»، أو تلبية طلبيات عبر «واتساب»!
هي تجارة لا شك في ذلك، وهو عرض وطلب نؤمن بذلك، وهو بيع عن تراضٍ، ولكن هناك خدمة متعاملين، وهناك جودة، ونسبة وتناسب بين المعروض للبيع وبين سعر البيع، إضافة إلى ما هو أهم، وهو كسب الزبائن، والتطلع إلى التوسع والانتشار في عالم «البيزنيس»، وهذا يتطلب تقديم الخدمة الجيدة، في شكل جيد، وبسعر جيد، دون مبالغة في الربح، ما يضمن للبائع الديمومة والاستمرارية، ويجعله يكسب رضا العميل، أمّا الوضع الحالي فإنه لا شك منفر للزبائن، ويؤدي مستقبلاً إلى عدم استمرار «البيزنيس»، وبدء عملية فقد الثقة بين العميل والبائع، وإن ضاعت هذه الثقة فلن ينجح المشروع مرة أخرى على الإطلاق!
الأمر ينسحب على كل المنتجات الغذائية والحلويات و«الكب كيك»، وبيع «الإكسسوارات» و«العبايا»، هناك مواقع كثيرة جداً، ومئات المشاريع منها، وهناك المميز حقاً، لكن التشابه كبير، والمعروض كثير، والمبالغة في الأسعار أيضاً صفة شبه مشتركة، رغم قلة الكُلفة الحقيقية لمثل هذه المنتجات مقارنة بالمواد الأولية، وأسلوب ترويجها وتسويقها وإيصالها، فالغالب هو ذهاب صاحب الطلب إلى البحث عن طلبه وليس العكس!
دائرة التنمية الاقتصادية في دبي تحاول تنظيم هذا الأمر، وهذه خطوة إيجابية، وأقترح قبل الدخول في خطوات الترخيص لضمان الجودة والمراقبة لابد من دورات تدريبية للراغبين في بدء مشاريعهم الصغيرة عبر وسائل التواصل، وقبل دخولهم في عالم المال والتجارة لإيصال أبسط مفاهيمها لهؤلاء الشباب والشابات، ولإكسابهم المعرفة الأولية التي تمكنهم من إدارة هذه المشاريع بشكل أفضل، وتضمن لهم التوسع والانتشار المستقبلي، إضافة إلى إكسابهم بعض المهارات المالية الضرورية في البيع والشراء.
وسواء حصل ذلك أم لم يحصل، فنحن لسنا ضد هؤلاء، بل على العكس من ذلك نحن معهم، وسنظل ندعمهم لتحقيق حلم تخريج رواد أعمال مواطنين ومواطنات يسهمون في الدورة الاقتصادية بفاعلية، ويؤسسون مشاريع ناجحة، مهما كان حجمها، تغنيهم عن الوظيفة وتجعلهم أكثر طموحاً ورغبة في المنافسة وتحقيق الذات، ولكن لابد أن يتم ذلك بخطى ثابتة وبتخطيط جيد ومن دون مبالغة!
المصدر: الإمارات اليوم