أكتب هذه المقالة وأنا في الطائرة، إلى القاهرة. هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها مصر وإن كانت زيارة قصيرة لبضع ساعات. في الطائرة، حملت معي أسئلة كثيرة عن مصر ومستقبل مصر. وأعرف جيداً أنني سأعود بها إن لم أعد بأكثر منها. في خطابنا العربي نكرر كثيراً ان مستقبل مصر سيكون مستقبل العرب. أو سيؤثر كثيراً في مستقبلهم. هل هذا صحيح؟ أعتقد -مثل كثيرين- إن بإمكان مصر، متى تنفست الصعداء من ثورتها، قادرة على قيادة مشروع تنموي حضاري ضخم يرسم للعرب خارطة طريق نحو المستقبل. هل لدى قادة مصر الجدد رؤية لهكذا طموح؟
إننا نعيش اليوم محاصرين بين مشاريع إقليمية خطيرة ربما ضعنا بينها أو كنا من «غنائم» أصحابها. فالأتراك يستعيدون «أمجاد الماضي» حينما كنا جزء من إنجازهم وهم يبهرون بعضنا بخطابهم الجديد الذي يدغدغ مشاعرنا ويستثمر في إنكساراتنا. وهم يعلمون كم نحن عاطفيون مع أي خطاب يمنحنا الوهم. والإيرانيون تحت غطاء المذهب وطرد المحتل يخترقون المنطقة كلها، من شمال إفريقيا إلى جنوب الجزيرة. وفينا من يرى فيهم نصير الضعفاء والمغلوبين على أمرهم. والإسرائيليون قد أخرجونا من دائرة الخطر لأننا منشغلون عنهم بصراعاتنا وفوضانا.
ماذا بقي؟ هل نضيع في «صفقة» ما بين أصحاب المشاريع المتنافسة في محيطنا؟ هل ننتظر مصر؟ أمام مصر طريق طويلة كي تبدأ علاجها من تركة ثقيلة من الإستبداد والفساد. لكنها قبل ذلك بحاجة أن تعرف كيف تبدأ ومن أين تبدأ. وتلك مهمة كبيرة سوف تنشغل بها مصر طويلاً قبل النظر في مثل الأسئلة أعلاه. فكيف نراهن الآن على دور إقليمي لمصر وهي المشغولة بهمومها وبحثها عن ذاتها؟ وهل ننتظر حتى تكون مصر لاعباً إقليمياً قوياً مدافعاً عن مصالح العرب من بلاد الشام إلى دول الخليج؟ أخشى ما أخشاه أن يتحقق استقرار مصر متى ما تحقق وقد طارت الطير بأرزاقها!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٩٠) صفحة (٣٦) بتاريخ (١١-٠٦-٢٠١٢)