عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
أميل مع كثيرين غيري إلى تشبيه الأجواء التي تسود البلدان العربية منذ انطلاق ثورات الشباب في أكثر من بلد بتلك التي كانت سائدة في الخمسينات من القرن الماضي، مع فوارق المقارنة. فثورات الشعوب العربية في الخمسينات التي توجت بانقلابات عسكرية جاءت ضمن مرحلة تحرر وطني توجت نضالاً وطنياً انخرطت فيه فئات عريضة من الشعب وأفرزت قادة جدداً جاؤوا من الجيش.
وإذا كان التقييم الموضوعي لتلك المرحلة والأدوار التي لعبها القادة الذين أفرزتهم يتعين أن يكون ضمن ظروف تلك المرحلة، فإن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر مثل النموذج الأبرز لأولئك القادة الذين ظلوا موضع إلهام لربما حتى اليوم. الاستقلال الوطني كان المفهوم المركزي الذي حكم كل السياسات التي اتبعها عبدالناصر وبقية قادة تلك المرحلة.
وهو ما يجسده تحول عبدالناصر إلى نموذج تحرر وطني لدى غالبية شعوب العالم الثالث. لم يكن هذا غريباً أو مفاجئاً، بل انعكاس طبيعي لتلك المرحلة التي كانت مرحلة تحرر وطني على مستوى العالم بأكمله. يعكس هذا العلاقات التي بناها عبدالناصر بدأب ومثابرة على مستوى العالم:
تأسيس حركة عدم الانحياز تأكيداً لرغبة الاستقلال، دعم حركات التحرر في البلدان العربية والعالم تأكيداً لاستمرار المعركة ضد القوى الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، فيما تمثل سياسات الاعتماد على الذات داخلياً عبر التصنيع والتوسع في التعليم وبناء جيوش وطنية الجزء المتمم لهذه السياسات التي تتمحور كلها حول مفهوم الاستقلال الوطني.
أما موقف عبدالناصر من الديمقراطية الذي يؤخذ عليه، فمن الممكن قراءته (علمياً وليس عاطفياً) على أنه ثمرة موضوعية لكل ما صاحب تجربة الديمقراطية في ظل المستعمر، ففي مصر وغالب الدول العربية تحت حكم المستعمرين، كان الناخبون يتوجهون لصناديق الاقتراع وينتخبون أحزاباً وأفراداً ويشكل الحزب الفائز الوزارة الجديدة، لكن في المفاصل الحقيقية، لم يكن الشك ليساور أحداً في أن المندوب السامي وليس صندوق الاقتراع هو الحاكم الحقيقي.
يستعيد الكثيرون في مصر خصوصاً أجواء الخمسينات وهم تحت استحواذ بعدها الأهم: الاستقلال الوطني وتالياً قائد معركة الاستقلال. على هذا النحو أصبحت قضية المعونة الأميركية لمصر الإطار المرجعي الذي يحكم النظرة إلى وزير الدفاع المصري الفريق عبدالفتاح السيسي.
وإذا ما وضعنا جانباً ما مثله تدخل الجيش بعد 30 يونيو 2013 لوضع نهاية لحكم الإخوان المسلمين، فإن معركة المعونة الأميركية لمصر أصبحت تمثل الإطار المرجعي للتعامل والحكم على أداء الفريق السيسي. هنا تتكاثر الرمزيات التي تدفع بالمصريين لتشبيه السيسي بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
تكاد الوقائع تعيد نفسها من جديد، فالأميركيون الذين امتنعوا عن الاستجابة لطلبات ناصر من الأسلحة وتمويل بناء السد العالي، يكررون الأمر نفسه الآن عبر وقف أجزاء من المعونة العسكرية لمصر وتكاد الذرائع أن تكون متشابهة. فلقد اتهم الأميركيون عبدالناصر بعدائه للديموقراطية وبأنه مجرد ضابط قاد انقلاباً على الحكم. يكررون الأمر نفسه بالنسبة إلى الفريق السيسي. ومثلما لاح الاتحاد السوفييتي السابق في الخمسينات خياراً بديلاً للتسليح، فإن روسيا اليوم خيار قائم.
منذ 3 يوليو الماضي، تتعالى الأصوات في مصر لترشيح الفريق السيسي رئيساً للجمهورية، وتبلور تيار وسط المصريين يدعو إلى ذلك. ويبدو الأمر معضلة بالنسبة إلى الفريق السيسي نفسه، فإقدامه على مثل هذه الخطوة قد يقلل مصداقيته ويدفعها للتآكل، وهو الذي برهن عليها منذ إنذاره الشهير للرئيس السابق محمد مرسي.
وعزوفه عن الترشيح والمنصب قد يفتح المجال أمام مزيد من التشظي والانقسام في الحياة السياسية المصرية ما بعد الثورة. لا يعدم تأييد ترشيح السيسي للمبررات الوجيهة داخلياً وخارجياً، لكن أبرز ما يشار إليه هو افتقاد مصر أو النخبة السياسية لمن يمكنه تحمل مسؤولية قيادة مصر في المرحلة المقبلة. للوهلة الأولى قد يبدو هذا صحيحاً بالنظر لحال التشظي والترهل الذي تبدو عليه النخبة السياسية المصرية..
لكن هذا المقياس قد يبدو مضللاً. فمصر تعج بالكفاءات وأصحاب الرؤى في العديد من الميادين، لكن ما تفتقده – مثل بلدان عربية أخرى- هو التقاليد والأداء المؤسسي. وإذا ما وضعت مؤسسة الجيش جانباً، فإنه على الرغم من وجود مؤسسات عريقة مثل مؤسسة القضاء والجامعات المصرية مثلًا، فإن ميراث الدكتاتوريات التي تميل إلى تهميش الكفاءات ومحاربتها، أسهم كثيراً في تغييب أدوار هذه المؤسسات في رفد الحياة السياسية المصرية بالكفاءات ضمن شروط نمو وتطور طبيعي.
يضاف إلى هذا عنصر آخر، فالثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير 2011، ليست سوى تعبير عن تحول كبير على مستوى شامل يتجاوز الرغبة في تغيير قيادات الدولة. إنها تعبير عن رغبة أجيال شابة من المصريين في لعب دور أكثر فاعلية في إدارة شؤون بلدهم.
وهذا يثير معضلة كبرى ستظل مطروحة لسنوات مقبلة لا تتعلق بطبيعة الدولة فحسب (مدنية أم دينية)، بل بمن يقودها أيضاً. أكثر من يدرك هذه المعضلة هو الفريق عبدالفتاح السيسي نفسه والنخبة السياسية المصرية بأحزابها القديمة والجديدة، وهو ما تعكسه معركة أخرى عنوانها “لا لحكم العسكر” التي تقودها أحزاب تعبر عن الأجيال الشابة من المصريين، في مقابل نمط تفكير مصري تقليدي يعلي من الزعماء الأقوياء.
قد يكون الفريق السيسي مرشحاً نموذجياً للرئاسة، لكن الأمر لا يتعلق بالأمنيات. فإذا كان المصريون قد انتفضوا رفضاً للاستبداد الذي مثلته حقبة مبارك ورفضوا حكم العسكر إبان المرحلة الانتقالية بعد تنحي مبارك ورفضوا الاستبداد الديني الذي مثله حكم الإخوان المسلمين.
فإن هذا لا يعني سوى أن “الدولة المدنية” هي المطلب. لكن هذا يقتضي من النخبة المدنية المصرية أن تتجاوز ضعفها التاريخي الراهن لكي تصبح مؤهلة وقادرة على إنجاز هذه المهمة التاريخية. يدرك الفريق السيسي هذا جيداً، وهو ما يعبر عنه حذره في مسألة الترشح للرئاسة.
وهو يدرك مثل أي شخص في الموقع الذي هو فيه الآن بكل سياقاته وظروفه، أن وجود نخبة مدنية قوية هو خطوة تاريخية ضرورية لاستكمال المهمات المطروحة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة المصرية.
المصدر: صحيفة البيان