كاتبة سعودية مقيمة في دبي
أن يُشنع على برنامج الابتعاث بأنه طريق الشباب إلى الخمر والمخدرات، وأن جامعة الأميرة نورة مرتع للاختلاط غير المحمود، مما يثير الغضب والاستقالات، فلم يبق سوى أن تسمعوا غداً أن المواطن قد وجد لحم خنزير مختلطاً مع اللحم الحلال في السوبرماركت.
هذه الدعاوى هي دعاوى المرجفين الذين يستمدون تألقهم ونجاحهم من العبث بطمأنينة الناس وإرهابهم بأن السقوف ستهبط فوق رؤوسهم، وأن عاقبة الأمور ستحيق بهم إن سكتوا على ما يحدث بين ظهرانيهم، وليس من بين هذا التيار من يخرج علينا ليشرح لنا كيف يتوسط الدعاة بزينتهم وبهرجتهم النساء الشابات في المحافل العلمية وفي المنتديات النسائية والاستقبالات، بينما يقلب الدنيا خبر أستاذ في كلية العلوم الصحية يدرس طالبات علوم التمريض وجهاً لوجه، لقاء بين أستاذ وطالباته في مكان عام وفي وضح النهار وفي مؤسسة علمية تتمدد على آلاف الكيلومترات وترفع لوحة جامعة ترصده العيون والحراس والحارسات، هذه الشائعة التي كذبتها مسؤولة في الجامعة وقالت بما معناه: «لم نبدأ الدراسة بعد فمتى حدث هذا؟ اصبروا علينا ليش مستعجلين».
يبدو أن المرجفين الذين وضعوا جامعة نورة في القائمة بعد جامعة كاوست ثم برنامج الابتعاث، سمعوا صافرة الانطلاق مبكراً هذا العام، فأطلقوا شائعة وحتى لو صحت فإنها مهزلة المهازل أن تجد لها حطباً يشعل فضيحة عنوانها: «دخل أستاذ على طالبات التمريض» وشارك فيها جمهور من «تويتر» تطببه وتمرضه نساء في المستشفيات والمستوصفات، فما الفارق هنا؟ إنها معركة «الحرمة» في السعودية التي لم تتقدم يوماً بل وتتراجع، ولو قلت لهم إن هذه «الحرمة» هي نفسها التي كانت تصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال من دون حواجز ومن دون جدران تركع وتسجد، وأنها هي التي كانت في الجيش تحارب وتطبب وهي الشفاء بنت عبدالله، التي كانت بمقام وزير تجارة تقف على السوق تحاسب الغش والتدليس، لقالوا لك بأن هذا صحيح لكن نساء ذاك الزمن غير نساء اليوم، بالضبط هذا هو منهجهم وضع المرأة في خانة الشك والرداءة وسوء الظن، وهذه ليست الحقيقة كاملة بل يحرصون على كتم شهادة الحق حين يصرون على إنكار حقيقة قصة الشفاء بنت عبد الله، وحتى حين وافق المراجعون الشرعيون على قصة الشفاء في مسلسل «عمر» أصروا على أن تظهر في سن متقدمة حتى يطفئوا غضب المشككين والمعارضين، ولتذهب حقيقة الإسلام وفق ما يحبون ويحبه الجمهور لا وفق الحق.
المرأة التي هي وقود معارك المتخاصمين من المتشددين ومن يجاملهم تدفع كل يوم رصيداً كبيراً من تقدمها في حقل العلم والعمل، فتصور هذه المعارك بأن برامج التنمية في بلادنا مجرد دكاكين وأسهم تجارة يفوز بها من يسجل حضوراً أقوى بالصراخ والزعيق في الجمهور، مدعياً أنه حارس لأخلاق المجتمع الذي يجهل الأخلاق ويحتاج إلى مَنْ يعلمه ويملي عليه كيف يحافظ عليها.
إن مناحي العيش المشترك وفرص نمائه هي حق للجميع، ومن أراد أن يتحوط ويتجنب بحجة التقوى والزهد فذلك حق له، ولكن أن يخرج علينا مَنْ يرجف كل يوم بشائعة ترمي الناس بسوء السلوك والشك في مقاصدهم فتجعل من الجامعات مرتعاً للفجور، والبعثات العلمية طريقاً للمخدرات، فهذا تشويه بحق المجتمع وسوء نية، آمل ألا نسمع غداً من يبررها بأنها مجرد زلات وعاظ يجب سترها.
المصدر: جريدة الحياة