في منتصف يونيو/حزيران 2015، فشلت أول جولة مشاورات بين الحكومة الشرعية والانقلابيين في مدينة جنيف السويسرية، وبالتالي لم يتم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. ومن جانبها أعلنت الأمم المتحدة عن وقف لإطلاق النار في اليمن في العاشر من يوليو/تموز، الذي صادف شهر رمضان المبارك، لكن لم يُستجب لتلك الدعوة.
وبالتزامن مع جولة مشاورات ثانية في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015 في مدينة بييل السويسرية، أُعلن عن وقف لإطلاق النار، ضمن هدنة وصفت بالهشة منذ بدايتها لتنهار مباشرة، مع استمرار المواجهات في أكثر من منطقة باليمن.
وكانت المواقف المتعنتة للحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، سبباً رئيسياً لفشل تلك المشاورات، فيما كانت دول التحالف العربي تواصل دعمها لقوات الشرعية والمقاومة الشعبية، في سياق عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل».
تعبيد الطريق إلى الكويت
منذ إعلان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في 23 مارس/آذار الماضي أن أطراف النزاع وافقت على وقف إطلاق النار بدءًا من منتصف ليل العاشر من إبريل/نيسان، تمهيداً لعقد جولة مشاورات جديدة ابتداء من الثامن عشر من إبريل الجاري في دولة الكويت، كان واضحاً أن الرجل يقف على أرضية صلبة بعد جولات مكوكية ومشاورات في عدة عواصم معنية.
وتوالت بعد ذلك التصريحات المتوافقة مع إعلان ولد الشيخ من قبل الحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي، التي أكدت التزامها وقف إطلاق النار استجابة لطلب الرئيس اليمني هادي «مع احتفاظها بحق الرد على أي خرق لوقف إطلاق النار»، وبالمقابل كان الانقلابيون آخر من صرح بالالتزام بوقف إطلاق النار والاستعداد للانخراط في مفاوضات الكويت.
ومذاك وحتى الآن كانت الشكوك تراود المتابعين للشأن اليمني حيال إمكانية نجاح اتفاق إطلاق النار وبالتالي التوجه إلى مفاوضات الكويت، غير أن مؤشرات عدة بدت مبشرة، مع استمرار الهدنة على الحدود بين اليمن والسعودية والانخفاض الملحوظ في حدة المواجهات في أكثر من جبهة، وكذلك انخفاض وتيرة الغارات الجوية لطيران التحالف، وتركيزه أكثر على طلعات استطلاعية في أكثر من محافظة ومنها العاصمة صنعاء.
هكذا، ورغم استمرار الخروقات من قبل الميليشيات في الأيام الأخيرة، إلّا أن الطريق إلى مفاوضات الكويت قد عُبدت، ولعل ذلك ما جعل إسماعيل ولد الشيخ يطلب من اليمنيين «التمعن في هذه اللحظة الحاسمة» والتأكيد على أن «نحن أقرب إلى السلام أكثر من أي وقت مضى». وقال ولد الشيخ في إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن، مساء الجمعة الماضي، لبحث الأوضاع في اليمن، إن «خطة عمل الأمم المتحدة ستساعد اليمنيين في الوصول إلى الاستقرار وتتطلب تنازلات من مختلف الأطراف». وأشار إلى أن «طريق السلام شائك لكنه سالك وممكن، وعلى الفشل أن يكون خارج المعادلة»، معتبراً أن كل الجهود التي بذلت تصب بهدف «التوصل إلى حل سياسي ومخرج نهائي للأزمة» من خلال استئناف حوار وطني جامع بين الطراف اليمنية، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2216 إبريل/نيسان 2015، وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة.
لطالما نوه ولد الشيخ إلى أن «المحادثات سترتكز على إطار يمهد للعودة إلى انتقال سلمي ومنظم بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكرر أن المحادثات ستضع خطة عملية لكل من النقاط التي ستنطلق منها، وهي الاتفاق على إجراءات أمنية انتقالية، وانسحاب الميليشيات والمجموعات المسلحة؛ وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة، وإعادة مؤسسات الدولة واستئناف حوار سياسي جامع، وإنشاء لجنة خاصة للسجناء والمعتقلين».
وفي المشهد تنتاب المتابعين للشأن اليمني مخاوف من أن يستمر المخلوع علي عبدالله صالح في عرقلة الوصول إلى حل للأزمة في البلاد، وهو الحل الذي حتماً سيضعه خارج المشهد السياسي بعد عقود من العبث، ظل خلالها في السلطة، التي رفض التخلي عنها رغم الثورة على نظام حكمه في العام 2011، وإزاحته من سدة الرئاسة وفق اتفاق «المبادرة الخليجية»، فما زال «يرفض أي تسوية سياسية للأزمة اليمنية تتضمن مغادرته البلاد والخروج من الحياة السياسية اليمنية»، وفقاً لمصادر مقربة منه.
اللافت أن مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ، قال، عقب جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي الجمعة الماضي: إن مصير الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح سيحدده اليمنيون أنفسهم في مرحلة ما بعد تحقيق السلام في البلاد»، وأن موضوع رفع اسم صالح من قائمة عقوبات مجلس الأمن لم يتم طرحه للمناقشة».
وأوضح: «لم نناقش رفع اسم الرئيس السابق علي عبدالله صالح من قائمة عقوبات مجلس الأمن خلال مراحل التفاوض على اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي بدأ سريان العمل به من منتصف ليل الأحد – الإثنين الماضي، ولن نناقش هذا الموضوع خلال المحادثات المزمع إجراؤها في الكويت يوم 18 من الشهر الجاري، وأن مصير صالح متروك لليمنيين أنفسهم».
أيام صعبة تنتظر اليمنيين
هكذا سيكون على اليمنيين أن يختبروا أياماً صعبة وقلقة وحاسمة مع استئناف المحادثات في الكويت، التي قد تمتد إلى عشرة أيام، وفقاً لتوقعات متابعين، فيما سيكون على الأطراف المتفاوضة أن تُبدي «حسن نية ومرونة» والاستعداد لتقديم «تنازلات» من أجل التوصل إلى حل عملي وإيجابي، يُخرج اليمنيين من محنتهم»، فاليمن يقف اليوم على مفرق طرق أحدهما يوصل اليمن إلى السلام، والطريق الآخر يقود البلاد إلى هوة أمنية وإنسانية من الضروري الابتعاد عنها، حسب تعبير ولد الشيخ.
مع اشتداد الحرب وتعمق الأزمة الإنسانية، والضرر الفادح الذي لحق باليمنيين ومس حياتهم في مقتل، كان الأغلب منهم يتطلعون للسلام ويأمل من فرقاء الأزمة والحرب ان يتجهوا للمفاوضات، لوضع حد للكارثة المتسعة، وامتدادات الحرب والأزمة في مناحي الحياة كافة، رغم اصطفاف البعض إلى جانب طرفي الأزمة والقتال.
يمكن القول إن الضغط الشعبي في الدفع باتجاه المفاوضات أخذ أشكالاً عدة، ووجد تعبيره في مواقف سياسية واجتماعية وثقافية أيضاً، غير أنه لم يكن دافعاً قوياً، إلا من زاوية مواقف الأطراف المعنية في اليمن والمجتمع الإقليمي والدولي بمدى التدهور في الجانب الإنساني الذي مس الشعب اليمني والمخاوف من الانحدار نحو الأسوأ والكارثي.
وفي السياق، يتطلع الشعب اليمني للعبور نحو السلام عبر لقاء الكويت، كفرصة تبدو ممكنة، ولهذا خرج الأهالي في تعز يدعون لوقف الحرب وفك حصارها، بينما خرج مواطنو الجنوب اليمني في عدن، يدعون لأن تكون «القضية الجنوبية حاضرة في لقاء الكويت وبحضور وتمثيل للقوى الجنوبية الفاعلة في الميدان».
إجمالاً يمكن القول إن عوامل عدة تضافرت للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية، التي يمكن أن تمثل آخر فرصة لوضع حد للأزمة والحرب في اليمن، وعدم اغتنامها يعني ألا يغال في الحرب وإطالة أمد الأزمة، وسد منافذ الحل على المدى الزمني المنظور، وتوسيع الشرخ الاجتماعي الذي حصل فعلاً.
الوضع الإنساني المتردي مثّل عامل ضغط مؤثراً، والذي بات يدفع الجميع إلى ضرورة إيقاف الحرب والتوصل إلى حل سياسي، فحسب الأمم المتحدة، 80% من السكان بحاجة لمساعدات إنسانية، فيما أن المخاوف من انتشار التنظيمات المتطرفة وتصاعد الإرهاب باتت تشكل الهم الأكبر الذي جمع الداخل والخارج، بعد أن وجدت تلك التنظيمات مناخاً ملائماً لتوسعها في ظل الحرب وكذلك الحصول على المزيد من السلاح وتجنيد المزيد من الأفراد في صفوفها، نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور، وهو الأمر الذي يدفع الجميع لإيقاف الحرب والتفرغ لمكافحة الإرهاب المتنامي في البلاد.
وفي المشهد العام وصل طرفا القتال والأزمة إلى حالة من الإنهاك، وأيقنا أنه ليس بمقدور أي منهما حسم الوضع عسكرياً لصالحه، رغم التقدم الملحوظ لقوات الحكومة الشرعية، المسنودة من قوات التحالف العربي، على حساب الميليشيات الانقلابية.تسود حالة غير مسبوقة من الترقب في الأوساط الرسمية والشعبية اليمنية لطبيعة النتائج التي يمكن أن تخلص إليها المفاوضات السياسية بين الحكومة والحوثيين، خاصة مع «تصاعد الخروقات التي تخللت اتفاق وقف إطلاق النار من قبل الحوثيين وقوات الرئيس السابق، والتي ألقت بظلال قاتمة على سقف التفاؤل سواء الرسمي أو الشعبي بفرص نجاح مفاوضات الكويت، لاعتبارات تتعلق بالشكوك حول جدية الانقلابيين ونواياهم الحقيقية المبيتة»، حسب الأكاديمي اليمني المتخصص في إدارة الأزمات الدكتور عبدالعزيز أحمد علي السقاف، في حديث ل«الخليج».
وبالنظر إلى قائمة المشاركين في المفاوضات، يتضح إضافة الحكومة الشرعية لعضوين جديدين إلى قائمة ممثليها هما محمد السعدي وزير الصناعة والتجارة والأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح والشيخ عثمان مجلي وزير الدولة، أحد أبرز الوجاهات القبلية في محافظة صعدة، التي شاركت إلى جانب الجيش في الحروب الست التي شهدتها صعدة ضد الحوثيين، فيما قائمة ممثلي جماعة الحوثي في الغالب ستشمل الشخصيات ذاتها، التي مثلتها في الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات، اللتين عقدتا في سويسرا.
ويمثل الحكومة الشرعية اليمنية في المفاوضات نخبة من أبرز الشخصيات السياسية الممثلة لأهم المكونات السياسية والشبابية والبالغ عددها 12 عضواً، وقد اختير لرئاسة الوفد عبدالملك المخلافي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وهو شخصية تتسم بالهدوء والمرونة والقدرة على احتواء الخلافات، إلى جانب كونه سياسياً مخضرماً سبق له خوض تجربة التفاوض المباشر مع الحوثيين، حيث كلف في السابق برئاسة لجنة رئاسية اضطلعت بمهام البحث عن تسوية للصراع مع الحوثيين.
كما تشمل قائمة ممثلي الحكومة محافظ حضرموت السابق سالم أحمد الخنبشي من حضرموت وعبدالعزيز أحمد جباري أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية والبرلمانية التي شاركت في جولات الحوار مع الحوثيين التي عقدت برعاية الأمم المتحدة بصنعاء، واضطلع بتسيير جلساتها المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، إلى جانب محمد موسى العامري الأمين العام لحزب الرشاد ومستشار الرئيس اليمني وهو شخصية محورية أسهمت بدور بارز في قيادة المقاومة الشعبية لأهالي وسكان مديرية «دماج» بصعدة قبيل سيطرة الحوثيين على الأخيرة واضطرار السكان إلى النزوح القسري عن المديرية بموجب اتفاق تسوية رئاسي، لا تزال ملابسات إقراره محاطة بالكثير من الغموض.
وشملت القائمة الحكومية أيضاً شخصيات ممثلة للمحافظات الجنوبية كالقيادي الجنوبي ياسين عمر مكاوي وخالد عمر باجنيد ونهال ناجي العولقي وعبدالله عبدالله العليمي وهو نائب مدير مكتب الرئيس هادي وشائع محسن الزنداني إلى جانب وزير حقوق الإنسان عز الدين الأصبحي ومعين عبدالملك سعيد كممثل لشباب الثورة الشبابية. ومثل إضافة الشيخ عثمان مجلي وزير الدولة وأبرز الوجاهات القبلية بصعدة، التي خاضت مواجهات وصدامات مريرة مع الحوثيين إلى قائمة ممثلي الحكومة التطور الأبرز كونه يعد من أكثر الشخصيات التي خبرت الحوثيين وأساليب التعامل معهم ويتوقع أن يسهم بدور فاعل في المداولات والنقاشات التي ستتخلل جلسات المفاوضات السياسية كعضو في الوفد الحكومي.
لم يطرأ أي تغيير في قائمة ممثلي جماعة الحوثي في المفاوضات حيث سيترأس الوفد محمد عبدالسلام الناطق الرسمي للحوثيين فيما ستشمل قائمة ممثلي الجماعة أيضا مهدي المشاط مدير مكتب عبد الملك الحوثي، وعلي العماد رئيس اللجنة الرقابية والتفتيش في جماعة الحوثي ومحمد البخيتي عضو المجلس السياسي للحوثيين.
أما قائمة ممثلي حزب المؤتمر الشعبي العام، التابع والممثل، عملياً، لصالح، فتضم في عضويتها كلاً من يحيى دويد القيادي في الحزب وصهر الرئيس المخلوع وعارف الزوكا الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام وياسر العواضي عضو اللجنة العامة للحزب وفائقة السيد عضو اللجنة العامة، إلى جانب الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية الأسبق والأمين العام المساعد للشؤون الخارجية والعلاقات بحزب المؤتمر.
بالنظر إلى قائمة ممثلي الحكومة والانقلابيين يتضح أن ممثلي الحكومة يمتلكون صلاحيات كاملة للبت في أي نقاط خلافية وهو ما أكده رئيس مجلس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، الذي كشف عن صلاحيات كاملة منحتها الحكومة لوفدها المشارك في المفاوضات، مرفقة بتوجيهات بالتحلي بالقدر اللازم من المرونة لإنجاح المفاوضات، فيما يفتقد ممثلو جماعة الحوثي وحزب المؤتمر صلاحيات مماثلة، وهو ما تسبب خلال جولات المفاوضات السابقة، التي عقدت في سويسرا ومسقط في إرجاء البت في العديد من النقاط الخلافية إلى حين التواصل مع قيادة الجماعة والرئيس السابق لإطلاعهم وتلقي التوجيهات.
كما أن كافة المعطيات على الأرض تتجه إلى ترجيح عدم التزام الحوثيين وحلفائهم بتنفيذ مخرجات المفاوضات وبخاصة ما يتعلق بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة الثقيلة للدولة وهي الجزئية التي يلفها الكثير من الشكوك في إمكانية تقيدهم بها، لاعتبارات تتعلق بانعدام الثقة في جدية الانقلابيين ونواياهم المبيتة.
أمر كهذا يضفي الشك على مخرجات إيجابية لمفاوضات الكويت، ناهيك عن إمكانية تنفيذ أية مخرجات يمكن التوصل إليها في سياق إيقاف الحرب وحل الأزمة والانتقال إلى حوار سياسي وطني في البلاد، غير أن هناك مؤشرات بأن تفاهمات سابقة، غير معلنة، بين طرفي الأزمة والقتال، حسمت الكثير من القضايا الخلافية، ما يُبشر بالتوصل إلى نتائج إيجابية في لقاء الكويت، إذا لم تطرأ مفاجآت تعوق ذلك، ومن تلك التفاهمات التي انعكست في «اتفاقية ظهران الجنوب» التي رعتها السعودية، وتضمنت قبول الانقلابيين بتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن 2216.
المصدر: الخليج