كشف مدير إدارة غرفة القيادة والسيطرة بالإدارة العامة للعمليات في شرطة دبي، المقدم خزرج الخزرجي، أن متلقي مكالمات خط الطوارئ في شرطة دبي (999) تعاملوا أخيراً، مع حالات في غاية الصعوبة، منها اتصال من موظف كان يهدّده شخص من هاتف عمومي، ظناً من الأخير بأن ذلك سيحول دون ملاحقته، لكن سرعة استجابة متلقي الاتصال أدت إلى القبض عليه قبل أن يغادر مكان الهاتف العمومي، إضافة إلى مكالمة لم يتفوه فيها المتصل بكلمة واحدة، فقط سمع المتلقي صوت أنفاس وتعامل مع الأمر باحترافية، حتى تبين أن المتصل مصاب بأزمة قلبية داخل سيارته في الطريق العام.
وأشار إلى مكالمة لعامل قال فيها فقط «أنقذوني»، وتبين في غضون ثوان معدودة أنه سقط في حفرة بموقع إنشائي دون أن ينتبه له زملاؤه، وتم إسعافه وإنقاذ حياته، لافتاً إلى مكالمات من أشخاص يهدّدون بالانتحار يتعامل معها متلقو المكالمات باحترافية شديدة لإنقاذهم، ومن بين هذه الحالات فتاة كانت تعاني صدمة عاطفية، وقالت في اتصالها إنها تقف فوق سور الشرفة، وستلقي بنفسها إلى الشارع، وتم إقناعها بالعدول عن الفكرة.
إلى ذلك، ارتفع مؤشر الرد على مكالمات خط (999) خلال 10 ثوان فقط إلى 97.5% خلال العام الجاري، مقابل 95% من العام 2015، الذي شهد تلقي مليونين و775 ألف مكالمة طارئة.
وتفصيلاً، قال الخزرجي لـ«الإمارات اليوم»، إن «ضغوطاً نفسية ومهنية هائلة تقع على متلقي مكالمات خط الطوارئ (999)، إذ يجب عليهم التعامل مع متصل مرتبك أو مذعور، وتهدئة روعه، والحصول منه على معلومات وافية حول موقعه، وما يتعرض له، أو التفاوض معه في حال كان يفكر في إيذاء نفسه، كل هذا خلال ثوان معدودة، ليستطيع توجيه الدوريات أو فرق الإنقاذ إلى الموقع».
وأضاف «ما لا يعرفه كثر أن الحزن يخيّم على فريق العمل في غرفة العمليات، إذا توفي شخص نتيجة حادث أبلغوا فيه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفي هذه الحالات يجري تقييم الموقف مرات عدة، وإعادة تشغيل المكالمة والاستماع إليها في اجتماع يضم كل أفراد الطاقم، لتحديد ما إذا كان بالإمكان فعل أفضل مما حدث من عدمه، كما تتم إعادة الاستماع إلى الاتصالات التي تم التعامل معها بكفاءة استثنائية، ولعب فيها متلقو المكالمة دوراً في إنقاذ حياة إنسان أو منع تهديد أو ساعد على كشف جريمة»، ولفت إلى أن «السينما العالمية تناولت في أكثر من عمل حياة رجل الطوارئ، وصورت المصاعب التي يمر بها، والدور الإنساني الذي يقوم به، لكن الواقع أكثر تعقيداً».
وتابع الخزرجي: «يجب أن يتمتع متلقو مكالمة الطوارئ بصفات معينة، أبرزها الثبات الانفعالي، ورباطة الجأش، وسرعة البديهة، والقدرة على التعاطي مع أكثر من مهمة في الوقت ذاته، لاسيما أن صاحب البلاغ ربما يغلق الخط في أي ثانية، حسب الحالة الطارئة التي يمر بها، لذا يجب عليه الحصول على قدر وافٍ من المعلومات في أقصر وقت ممكن، حتى ينقذ المتصل من ناحية، ويفرّغ نفسه لمهمة تالية من ناحية أخرى».غرفة القيادة والسيطرة بالإدارة العامة للعمليات، وفق معاينة «الإمارات اليوم»، أقرب إلى خلية نحل، فالاتصالات لا تتوقف، ويمكنك أن تستمع إلى مكالمات بلغات مختلفة، العربية، والإنجليزية، والصينية والأوردية.
وحسب الخزرجي، فإن هذه المكالمات يتضمن بعضها حالات صعبة، مثل موظف تلقى مكالمات من شخص يستخدم هاتفاً عمومياً في التهديد بارتكاب جرائم معينة، معتقداً أن استخدامه الهاتف العمومي، وعدم إطالة الاتصال أكثر من ثوانٍ معدودة يحول دون تعقبه وملاحقته، وقد تعامل متلقي المكالمة بسرعة بديهة لافتة، إذ حدد موقع الهاتف أولاً، ثم حدد كاميرات المراقبة الموجودة في المكان، وشغلها، وتتبع تحركات المشتبه فيه، ثم تواصل مع دوريات الشرطة، وقبل أن يغادر المتهم المكان فوجئ برجال الشرطة يقبضون عليه، وفي هذه الحالة تصرف متلقي المكالمة بشكل استثنائي، بناء على دراية جيدة بطبيعة كاميرات المراقبة، وكيفية تطويعها في خدمة وظيفته، ولم يكتف بمجرد تلقي المكالمة وتحويلها إلى الجهة المختصة».
قطع في وريد الفخذ
وتابع أن «من الحالات التي تعكس رد فعل استثنائياً، وأعيد تقييمها ودراستها من قبل إدارة مركز القيادة والسيطرة، كانت لعامل سقط في حفرة بموقع تحت الإنشاء أثناء استراحة الظهيرة، ولم ينتبه زملاؤه إلى غيابه، وأصيب بكسر مضاعف ونزيف نتيجة قطع في وريد الفخذ، وصارت حياته في خطر شديد، واتصل بغرفة العمليات، وقال فقط: (أنقذوني) بلهجة صعبة للغة الأوردية، لكن من حسن الحظ أن متلقي المكالمة يجيد هذه اللهجة، وأدرك خطورة الموقف، وواجه تحدياً مختلفاً، وهو ضخامة الموقع الإنشائي الذي وقع فيه الحادث، وتغلب على ذلك بوساطة خدمة تحديد المواقع، إذ استخرج بيانات المكان سريعاً، وحدد المالك والمهندس الإنشائي المسجلين لدى بلدية دبي، ثم اتصل مباشرة بمدير المشروع، وأخبره بأن عاملاً لديه سقط في حفرة في الموقع، وبالتزامن مع ذلك كان قد وجّه الإسعاف ودورية الشرطة والإنقاذ إلى مكان العامل، الذي كان في حالة حرجة، وتم إنقاذ حياته».
وأشار الخزرجي إلى أن الإدارة تحتفظ بتسجيلات هذه المكالمات لتدريسها للمتدربين الجدد، وتوضيح أهمية المبادرة، واللجوء إلى حلول من خارج الصندوق، لأن مبادرة فردية مثل هذه يمكن أن تكون سبباً في إنقاذ حياة إنسان.
أزمة قلبية
ولفت إلى «حالة أخرى عرضت في اجتماع عام، لأنها تعكس حرص وذكاء متلقي المكالمة، إذ أجاب عن اتصال، وظل الخط مفتوحاً دون أن يتفوه المتصل بكلمة واحدة، وكان من المنطقي أن يغلق الخط، خصوصاً في ظل تكرار مكالمات من أطفال يتصلون بالخطأ بخط الطوارئ، لكن شيئاً ما استوقفه في الاتصال، إذ سمع صوت أنفاس ثقيلة، وتعامل مع فرضية ضئيلة النسبة، بأن يكون المتصل يحتاج إلى النجدة فعلياً، ولم ينتظر كثيراً، إذ بادر إلى إرسال دوريات شرطة إلى المكان الذي حدده بخدمة (جي بي إس)، وظل على الخط مع زميله شرطي الدورية حتى وصل إلى النقطة المطلوبة، ووجد سيارة متوقفة على جانب الطريق، وتم فتحها ليتبين أن سائقاً مصاباً بأزمة قلبية مفاجئة، وكاد يتعرض لمضاعفات لولا ذكاء وإنسانية متلقي المكالمة الذي أعطى درساً لجميع زملائه بضرورة الصبر وافتراض الأسوأ دائماً، لأنه في النهاية خط طوارئ».
«سأنتحر»
وقال الخزرجي، إن «من الاتصالات الصعبة التي يجب التعامل معها برباطة جأش، تلك التي ترد من أشخاص يهددون بالانتحار، فلا يمكن اعتبارها مجرد تهديد، ويحرص متلقي المكالمة على كسب أكبر وقت ممكن مع المتصل، وكلما استدرجه إلى حديث إضافي يتضاعف الأمل في حل المشكلة».وأوضح أن «أسباب الانتحار تكون مختلفة، وبعضها يكون غريباً، مثل امرأة اتصلت تقول إنها تقف على سور الشرفة، وستلقي نفسها بسبب أزمة عاطفية، وتعامل المتلقي معها باحترافية كبيرة، إذ فتح معها حديثاً عاماً حول حياتها وسبب المشكلة، ثم بدأ يناقش معها حلولاً يمكن أن تؤدي إلى نتائج أفضل إذا تراجعت عن الفكرة، وبمرور الوقت بدأت تلين وتقتنع، فيما كانت دوريات الشرطة تقف في المنطقة أسفل الشرفة مستعدة لأي حركة مفاجئة». وقال الخزرجي، إن «هناك مواقف لا تخلو من طرافة، مثل شخص اعتاد الاتصال، وحين يتحدث يبدو مثقفاً وواعياً، ثم يتحول فجأة ويخلط كثيراً من الأمور، فيتحدث عن قضايا دولية وأمور داخلية، ويتحدث عن تهديدات ونظريات تآمرية، وفي البداية دأب متلقو المكالمات على التعامل معه بجدية إلى أن أدركوا أنه يعاني اضطراباً ذهنياً ونفسياً، وليس بكامل قواه العقلية». وشدد على أن «الشخص الذي يعمل في هذه المهنة إنسان له مشاعر وانفعالات يمكن أن تؤدي أحياناً إلى ارتكاب أخطاء، لكن نجحت الإدارة العامة للعمليات من خلال التدريب المستمر في تحسين قدراتهم وتقليل هامش الخطأ، دون نزع السلطة التقديرية منهم، لأنها تمثل حجر الزاوية الذي يقف وراء اتخاذ قرار صحيح في الوقت المناسب».
المصدر: الإمارات اليوم